:: لاتنسوني من دعواتكم (آخر رد :طلال)       :: تفضلي هنا قبل دخولك مجلس النساء (آخر رد :الماسه)       :: عاجل الى الادارة (آخر رد :الحساس)       :: نصائح العقارات والحيل للحصول علي الممتلكات العقارية والقادمة (آخر رد :داماس ترك)       :: سائق في اسطنبول اسعار (2018) 😍 😍 (آخر رد :كنان)       :: معاملة . كوم | مجتمع المعاملات ، ضمان التعامل بسرية و حصانة (آخر رد :جاسم سلطان)       :: السلام عليكم (آخر رد :ابو يارا)       :: مشاركات محضورة (آخر رد :ام شيماء)       :: مشاهد مجزوءة من ذاكرة القرية (آخر رد :عيدان الكناني)       :: واحنا صغار (آخر رد :عيدان الكناني)      
 
جريدة الرياض جريدة الجزيرة جريدة الوطن جريدة اليوم جريدة عكاظ جريدة المدينة جريدة الرياضي بنك الراجحي

 

 


الإهداءات


الانتقال للخلف   مجالس منتدى قرية المصنعة الرسمى > ساحة المصنعة النسائية > مجلس : (ورقات أدبية)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-02-2010, 02:11 PM   #1
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
Smile

صباح اليوم التالي كنتُ أنتظر اتصال علياء ، محملة بوجع لاأستطيعه وحدي ، أُقطّع الوقت باستفهاماتي : منذ متى غدت علياء ضميري ؟ منذ متى وهيوحدها التي أريد أن أكون بين يديها بلا سواتر وأن أكون أيضاً بلا شوائب ؟
هيسألت صوتي المبعثر عن ليلتي السالفة .
حاولت أن أتمالكه حتى لا يتهاوى ، بعدسكتة قصيرة قلتُ لها : أُخبركِ إن وعدتني ألا تغيري رأيكِ فيَّ .
تحلف لي أنهمهما يحدث فلن أكون في عينها إلاي..
- أتذكرين يوم قلت لك أن ليس في حياتي ماأخجل منه ؟ الآن يا علياء صار عندي الخطيئة التي تخجلني .
ضحكتها الحبيبةسكَّنتْ بعض الألم فيما حمم الباقي تطيش على حواف صدري .
أحكي لها فتسألنيسؤالها الإدانة : ووصفتِ له شكلك يا وسمية ؟!
- كانت تلك منه نقلة غير متوقعة فياللعبة ، فاجأني ، كدتُ أرفض ، ثم لما تذكرتُ أني أنا من بدأ عرفت أن علي أن أواصل . قلت لنفسي : لو رفضت الآن فسيعيرني بها .كنت محرجة ، حاولت مداراة حرجي بضحكة ،قلت : هو الآن أقرب فامشي هذه الخطوة يا وسمية .
خجلتُ أن أخبر علياء أنالاقتران به طاف بي خاطراً حُلواً تلك اللحظة ، وأني ناجيتُ عقلي الراغب في إيقافاللعبة عند هذا الحد : من يدري قد أصبح في غدٍ زوجته .. فما المشكلة لو صورت نفسيبلساني له ؟
إنها كما لو فعلتها امرأة أخرى له ، لا حرج ، ثم أن ميزة هذا الأمرأني - وإن لن أكذب فأُجمِّل صورتي - لن أشوهها كما قد تفعل أخرى .
كانت علياءتحاول أن تزن فعلتي بميزان القيم فيما كنتُ بألم أستعيد كلامي معه : " تعرف ذاتيومٍ حين كنا في حفل مدرسي استوقفتني امرأة لا أعرفها ، سألتني : أأنتِ معلمة هنا ؟
أومأت برأسي أن نعم ، قالت : معكم وسمية الكاتبة ، وأريد أن أراها ..أين هي؟
مستمتعة بمراوغتها قلت : قد تكون في أي مكان .
- أرجوك صفيها لي لأبحث عنها . أريد أن أراها .
كانت بالقرب منّا زميلة أخرى تسمع الكلام من أوله ، ظللت أنظرلها وأبتسم ، ثم قلت : ولماذا تريدين رؤيتها ؟ إنها ليست جميلة على كل حال .
لما أصرت قلت بابتسامتي نفسها ونظرتي للأخرى أني لا أحسن الوصف ولعل هذهتساعدني .
قالت سائلتي : لابد أنك أنت وسمية .
أتدري يا نواف لم أكن أتهربمنها ، فأنا حقاً لا أحسن الوصف ولكني سأحاول لأجلك .."
لما شرعت أنسلخ مني ،وأنظر لي نظرة فاحصة وأحكي كان بكله يسمع ، ويستفهم عن أدق التفاصيل ، حتى أني لمانسيت أن أخبره عن وزني سأل عنه .
لحظتها كرهت شبقه للمعرفة ، لكني أكملت .
كما بعد كل خطيئة توارت نفسي الأمارة بالهوى ، وجاءت اللوامة كرَّهَتْني فيَّ ؛أشعرتني أني أستحق أن أُصفع على وجهي لما أفعله ، ذكرتها بكلمته " أن علي أن أعيشلحظتي " فأُخرِست .
علياء - ما بين العدل والتسامح - قررت أن جنوني استدرجني ،حتى لما تعهدتُ لها بأن تكون ذي خاتمة الهفوات سألتني عما حصل بعدها .
أعود مرةأخرى لليلة العجيبة ، وأتذكر إحساس من ارتكب الخطيئة بعد طول تردد ، ثم قرر أن وقتاللوم والحساب ليس الآن ، وأن عليه أن يواصل لذته حتى ثمالتها .
لم أخبرها بذاك، فـقط أكملت لها سرد الحكاية .
- قلت له : ما الخطوة التالية ؟ قال : قرريهاأنت ؟
قلت : طبعاً لن أطلب منك أن تصف لي شكلك لأني أعرفه .
- ثم أنه لنيعنيك كثيراً ؛ فجسد المرأة مركزي في تفكير الرجل بينما جسد الرجل هامشي في تفكيرالمرأة .
أطبق الوجع كله علي فسألتها : علياء فيم يختلف حوار كهذا عن معاكسةهاتفية بين مراهقين ؟
علياء - لا أدري ألأجلي أم صادقة - تلمست له أعذاراً ،قالت : من الطبيعي أن يحرص على تكوين صورة لك في باله ، أنتِ نفسك حين تهاتفينشخصاً ما لمدة طويلة ، تبنين خلالها معه علاقة متينة ألا يشغلك شكله ؟!
- أهذاالسبب في ظنك ؟ لكنه قال لي بنفسه أن " جسد المرأة مركزي في تفكير الرجل .."
- صدقيني ، سواء كان رجلاً أو امرأة كان سيطلب ذات الطلب ، لكن تحسسك جاء من كونهذكراً .
قلت للساخطة بداخلي : أرأيت ؟ علياء أيضاً ترى ألا خطأ فيما فعلت .
قبل أن أهنأ بإفحامها جاء صوت علياء : المهم الآن ألا تنـزلقي إلى ما هو أبعدمن ذلك لاحقاً .
لم أشأ - وأنا المذنبة لا هي - أن أصيح محتجة كما طفل : فأنتِترينها سقطة إذاً ؟

--------------------------------------------------------


- باركي لماجد .
- خيراً إن شاء الله ؟
قال أبي بنصف فرحة : وجد وظيفة ، سيعملمؤذناً للمسجد القريب منا .
ألتفت لأخي الذي بالكاد أعرفه ، أتأمل ساقه الخارجعن حشمة ثوبه الذي يقصر يوماً بعد يوم : مبروك ماجد .
- الله يبارك فيك .
أغادر المكان فيلحق بي : أنا خارج ..هل تريدين شيئاً ؟
أتأمله ، ويوجعني أنلم يبق من ماجد القديم غير هذه العبارة .
أحاول ألا أحزن ، أتذكر نبوءة الدكتورةهناء بأنه سيعود لاعتداله بعد فترة ، وأتمنى أن تتحقق ، أطلب منه أن ينتظرني وأركضصوب غرفتي لأعود له بسرعة بالنقود .
- تفضل .
- مشكورة . يقولها ويغادر ،أدعو له بهداية دائمة .

-----------------------------------------------------

- فهومازال يطلب منك النقود بطريقته الخجولة القديمة ..جيد ، لعلك تجدين في هذا مؤشراًعلى أنه لم يتغير بالكامل .
- هو تغير بالكامل ، ولم يعد فيه منه إلا هذه يا ريم .
- لم أعرفك سوداوية في نظرتك إلى أي شيء أو إلى أي أحد من قبل ، فلماذا كل هذهالقتامة في الصورة التي ترين بها ماجد ومستقبله ؟! أهو بسبب انضمامه للمطاوعة ؟ليسوا كلهم سيئين ، بل إن فيهم أناساً رائعين جداً .
بعد كلمتي هذه غيرت وسميةمجرى الحديث كله ، لا أعرف لم تتحامل على المطاوعة بهذا الشكل ؟
هي لا تقبل حتىمناقشة هواجسها فيما يخصهم !
أحياناً أفكر في كم التناقض في شخصيتها ؛ العقلالمنطقي جداً الذي يبهرني حين تتحدث به دائماً يتعارض بقوة مع تعميماتها الطفوليةحين ترد سيرة المطاوعة أمامها .
أتذكر أمراً فأعاود الاتصال بها .
- خيراً ،هل من جديد ؟
- لا .. نعم ..أقصد أني تذكرت بعد ثورتك المعتادة قبل قليل علىالمطاوعة أنك انضممت أيام الدراسة الثانوية لشلة مطوعات في المدرسة ، وها أنت الآنمن خيرة النساء ، فلم تخافين على ماجد هكذا .
- جميل أنك تذكرت تلك الفترة ، لكنما نسيته أني لست كماجد ؛ فحين أردن تدجيني تركتهن ، هل يستطيع ماجد أن يفعل ؟ هليملك وعياً يجعله في اللحظة المناسبة يغادرهم ؟
كنت قد غضبت ، أحسست أن اللهسيعاقبها على ما تقول ، وسيعاقبني لأني أسمع ، لذا دعوت الله لها بالهداية وتركتها .

-----------------------------------------------------

- هاه .. ما الخطوة التالية ؟
- أتعرف يا نواف ..أحس أنّا نرقى سُلماً صوب الجنون ،وأنتَ كل مرة تدفعني لأخطو قبلك فإن كانت درجة السلم آمنة صعدتها لتجاورني ، وإن لمتكن.. تركتني أهوي وحدي .
ضحك وردد : أنا قلتُ لك قبلاً أن مشكلتي أني لا أبادرأبداً . أليس جميلاً أن تجدي رجلاً تقودينه إلى حيث تشائين ؟
أردتُ أن أقول لهأني لم أحسب ذلك في يومٍ من الأيام جميلاً ، وأني الآن تيقنتُ من صواب فكرتي منخلاله هو ، لكني وجدتني أهتف : مازلت تدفـعني لتوريط نفسي كل مرة متنعماً براحةالانقياد ، لكني لن أخطو خطوةً أخرى فاصعد أنت .
قال : حسناً سأفعل .
بدأيحدثني عن ممارسة الجنس على الهاتف ، كان جنون الفضول يلهبني ، توجسي في تلك اللحظةكان أقل جداً من رغبتي في معرفة المختلف .
أُلحُّ في السؤال : كيف ؟ وأناأتساءل : هل سيجرؤ على أن يطلب مني مشاركته لعبة كهذه ؟ وهل يعتقد أنيسأقبل؟
ساعتها تذكرت إصراره أكثر من مرة بأن أُغير موقفي من الرجل ومن الجنس .
كان صوته يأتي ثقيلاً ومنخفضاً جداً ، وأنا أتعجب : أمعقول أن هذا الذي عرفتهخمس سنوات مؤدباً رزيناً يخفي في داخله هذا الشذوذ ؟ إلى أين يمكن أن يصل ؟
هلينوي أن يتداول معي مفردات الجنس هذا الذي خلال الأعوام السالفة ما كان من أبجديةتجمعني به إلا لغة الثقافة وهمومها ؟!!
بصوته الذي استحال همساً اعترف أنه يعرفأن شباباً كثيرين هنا يمارسونه ، وأنه وإن لم يفعل فهو يحسُّ أن عنده ميلاً له .
أحسستُ في داخلي وللحظة أني قد أضعف فقلت له : إلى هنا يكفي سأنزل من السلم .
حاول أن يستبقيني دون عنف فرفضت .

-------------------------------------------------------

- أعلمأنك كنتِ تنتظرين اتصالي البارحة ، لكني لم أستطع يا علياء ..كنتُ مثقلة بفكرة أنروحي تدنست ..بعده .. نمت نومة غريبة .
- ماذا حصل ؟
كانت دموعي وحدها الجواب، وجهي الليلي الجديد مقرفٌ جداً .
- وسمية ..ماذا حصل ؟
أمنحها تفاصيل ليلتيالسوداء ، وأبكي ..
- لا تكوني قاسية على نفسك .. أنتِ لم تعرفي نواياه مسبقاً ،ثم أنك لم تنقادي لها حين أفصح ، ولا تكوني قاسية عليه ، لا تنسي أنك من استفزهليفعل ما فعل ، ربما هو فقط أراد أن يثبت لك أنه مجنون مثلك .. لا تسمحي لليلة أنتمسح من ذهنك صورته التي تعرفين . ومادمت ستتألمين هكذا كفي عن اللعب معه .


-------------------------------------------------------

طوالاليوم أعتصم من طائف الوجع بكلمات علياء ذي فيخف .
في الليل أتذكر أنَّا لم نتفقعلى موعد المكالمة التالية فأحس بالراحة .
تمر الأيام بعدها دون أن يتصل أو يرسلحتى رسالة على الجوال .
- أما قلتُ لكِ ..إنه خجل من فعلته .قالتها علياء ثمكررت : لستُ مجبرة على إتمام اللعبة معه .
كان تعليقاً أشبه باستفهام متوجسفرددت : معك حق ، لكنها شهوة المعرفة .
قلتها وسكت عن باقيها ، خجلتُ أن أُضيف : " ولذة قربه هو "
لما اتصل بعدها عاد لذكر السلم فأبغضته تلك اللحظة ، رغم أنهفقط أومأ إليه إيماءة قصيرة . سألني : ما أخبار السلم ؟
قلت : أما ركنّاه منذالمكالمة السابقة .
قال : ألن نستعمله مرة أخرى ؟
لم أعرف ما يعني بالسلمتحديداً : لعبة الجنس الهاتفية ، أم مجرد فكرة الصعود صوب الجنون خطوة خطوة؟
قررتُ ألا أسأله ، ثم قلت : اسمع .. لقد فكرتُ آخر مرة أني لن أستمر ، وأنيإنما كنتُ أجاريك قناعة بأن التجربة كلها قد تكون خامة جيدة للكتابة فيما بعد ( أشرتُ لذلك رغبة في تخويفه ) " كما أوصتني علياء"
- تذكري أني قبلها بحثت الأمرمعك ، وأنك لم تمانعي في أن يتطرق حديثنا لأي مجال .
- …
- حتى الجنسي .
- حسناً ، وأنا أرجع في كلامي الآن .
- لك ما تشائين .
ثم بعد فاصل صمتٍ قال : فماذا نفعل الآن ؟
خفت العودة لسلم الهوى فقلت بحزم : سنجرب شيئاً آخر ..
- حسناً فهو دوركِ إذن .
قلت له أني في صغري شاهدت مسلسلاً مصرياً لكمال الشناوي ،كان يمثل دور أستاذ جامعي اختار عدداً من طلبته المقربين كعينة دراسة حول الوضوحأيضاً ، وكان يلعب معهم عدة ألعاب ، منها لعبة يتقمص فيها كل واحد شخصية الآخرويحكي بلسانه ، يفضحه أمام نفسه والآخرين .ما رأيك أن نلعبها ، أصير أنا أنت وأنتأنا لدقائق فقط .
أعجبته الفكرة ، وطلب إلي أن أبدأ .
كانت أسئلتي جاهزة ،قلت : أريد أن أسألك يا وسمية لماذا قبلتِ أن تلعبي هذه اللعبة ؟
قال : إنهاالرغبة في مقاربة الآخر .
لحظتها غضبت ؛ لماذا قال الآخر ولم يقل نواف تحديداً؟
قلت : وإلى أين تعتقدين أنها ستأخذك يا وسمية ؟
قال : لا يهم . إنها لحظتيوسأعيشها ولن أفكر في النتائج .( هنا فقط لم يحسن التعبير عني فأنا كنتُ أمتلكتصوراً شبه كامل للنهاية التي أريد )
قلت : طيب يا وسمية .. لو كانت اللعبة معآخر غير نواف هل كنتِ تلعبينها ؟
- لا .
حنقت عليه ، هو يعرف محله في صدري . بادرته : لماذا أهي ثقة بنواف ؟
قال : لا بل ثقةً بنفسي .
أراحتني الكلمة ،ما أردت أن أشوهها بسؤال تردد في خاطري ، أقال ذلك معبراً عن رأيه فيَّ حقيقة ، أمما أراد أن يجرحني فيفضح حرصي عليه .
قلتُ : إلى هنا أكتفي ..تفضل أنت تقمصلساني ، وسائلني لأفضحك .
لم يضحك هذه المرة ، بدا لي من جديته أنه مليء هوالآخر بأسئلة يريد مناقشتها بصوتٍ عال .
قال : هل كانت فكرة السلم محورية عندك؟
تنفستُ بعمق محاولةً أن أستشرف داخله ، ثم قلت : لا ، ولكنها طرأت فما كان منالممكن التخلي عنها ، لأني بطبعي لا أتخلى عن فكرة لي إلا بنجاحها ، أو اقتناعيبفشلها .
ومشكلة هذه الفكرة أنها لا هي بالتي نجحت ولا أنا وثقت من فشلها .
- هل ستـعود لها ؟
وأنا أقول له نيابة عنه : " لا أدري .. مشكلة وسمية أنها امرأةلا يمكن المراهنة عليها ."كنت أعبّر عني لا عن رأيه فيَّ .
هنا انتهت أسئلته هوالآخر .
بعد أن أعرب عن إعجابه باللعبة سكت قليلاً ، ثم تضرع : وسمية أرجوك فجريالموقـف .
قلت :افـعل أنت .
لا أدري كيف استحال طفلاً صغيراً وهو يردد : لاأرجوكِ افـعلي أنتِ .. الله يخليك افـعلي .
لا شيء يقتلني كانتظار المجهول ، فيأحيان كثيرة أفضل الخسارة على الانتظار ، ولا أدري إن كان يعرف ذلك .
في مكالمةسابقة كان قد أعلن أنه قد يستمر في هذه اللعبة سنة أو سنتين ، ولم يكن عندي منالصبر ربع ذلك .
فكرتُ وهو ما زال يردد " الله يخليك " أني لن أحتمل حتى عدةأشهر . تنفست بقوة وقلت : حسناً ، أنا فـعلاً أحسستني أقرب في الأيام السابقة ،وكنت مسرورة بهذا القرب، و..
هذه الـ " و " ورطتني فأنا لم أكن أملك ما أصلهابه .
كنت أمدها وكلمته " فجري الموقـف " تدوي في رأسي ، ترجني بقوة ، تميد بيفأكمل : أنا ..أحبك
كأن الكلمة هدية كبيرة وضعت بسرعة في يد طفل صغير فتبعثر كلهوهو يريد أن يمسك بها وأن يفرح أيضاً . ظل يهتف : الله يسلمك .. الله يخليك ..
هذا الرجل لا يعرف المرأة ، على الأقل لا يعرفني ، كنتُ أحتاج أن يضمنيبلسانه ، كنت مرهقة جداً ، كنتُ أحتاجه لكنه بقي محشوراً بين كلماته الغبية " اللهيسلمك .. الله يخليك .."
لما طال انتظاري بدأت أغضب ، كان صوته يصلني من بعيدوهو يقول أنه سعيد لأني عبّرتُ عن مشاعري .
غضبتُ أكثر فقلت : ومشاعرك أنت ماذاعنها ؟
قال : وأنا أيضاً أحبك .. لا أقول ذلك اليوم ، بل مذ عرفتك وأنا أحبك .
كنتُ سعيدة جداً ومحرجة جداً ، أستحضر علياء فألوم نفسي: أياً كانت الأسباب ماكان ينبغي أن أفـعل ما فعلت .
في صوتي امتزج فرح المكاشفة بخوف الغد مع وجعالفضيحة .
أردت أن أغلق الخط ، هو انتبه لتغير صوتي ، سألني ما بي ، قلت أني فقطأريد أن أبكي قليلاً . طلب إلي ألا أفـعل ، حاول أن يستبقيني فرفضت .
كان يجب أنأحتسي لذتي يتيمةً إلا من نفسي ، وكان علي أن أجلد نفسي طويلاً .

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-02-2010, 02:12 PM   #2
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
Smile

ياحمارة .. قلتِ له كذا ؟!
ذا بالضبط ما أردته من علياء ، كنتُ أحتاجها تجلدنيقليلاً حتى أُحس أن العقاب طهر بعضي ، لم أتلمس الأعذار لنفسي أمامها ، واصلت : أتدرين الآن تحدد كل شيء . هذا كله سينتهي قريباً . الآن ما عاد من الممكن أن أستمر، هذه المرة لن أجد ما أضحك به على نفسي .
قالت : ماذا تـعنين ؟
- الآن صاريجب أن تسير العلاقة في خط محدد أو أن تنقطع .
علياء لم تستوضحني ، وأنا لم أكنأعرف بوضوح ما سيحدث . ودعتها ونمت .
ليومين فقط ظللت أستحضر خياله ، وأستعيدهالكلمة السحرية لأغدو كلي قلباً ينبض بسعادة ما عرفها قبله .
في الليلة الثالثةأرسلتُ له رسالة أطلب فيها أن يهاتفني .
فترة ترقب هاتفه أطرزها بتخيل بيتٍيضمني وإياه ، وحين يأتي أتحدث معه وأنا أنتظر أن يحدد هو ملامح المرحلة التالية ،لكنه لا يفعل .
تساءلت : هل صدَّق كذبته التي كذبها بنفسه على نفسه أنه لايبادر ؟!
قلتُ بعد أن تحدث عن علاقتنا الجميلة والتي ستمتد : وماذا عن الغد؟
- ماذا تعنين ؟
- كيف سيكون شكلها ( علاقتنا غداً ) ؟
ردد نفس الكلامبأنها ستظل جميلة .
أغضبني فقلت : أقصد ما فضاؤها؟ ما أرضها ؟
بدا أنيأحنقته ، لكني كنتُ أعرف أن لا مفر لي من لساني فسألته : كيف ستنتهي هذه العلاقة هلفكرت مثلاً بأن يكون الزواج خاتمتها .
- تعرفين يا وسمية ..مرة حدثتني عن واحدٍأحببته ، وكدت تعرضين عليه الاقتران بك ( يقصد الرمادي لأني حدثته عنه دون ذكر اسمه ) يومها تمنيت لو كنتُ مكانه .
- فأنا لم أفعل معه ، وها أنا أعرض الأمر عليكأنت .
- الزواج لن يناسبنا كلينا نظراً لظروفي وظروفك .
ها قد حشرتُ رأسي فيالجحر الضيق ، كان علي أن أخرجه بأقل قدرٍ من الأذى ، لكني اخترت أن أقذفه بأسرع مايمكن . حسبتُ أن علي أن أحسم كل هذا ولو على حساب كرامتي .
قلت : لا عليك منظروفي .
يطل وجه علياء غاضباً ، أحسها تريد أن تقول : ماذا تفعلين بنفسك ؟
أجيب طيفها دون أن أنظر في عينيه : أنا نفسي لا أصدِّق أني أقول ما أقول .
يرد هو : حسناً فهي ظروفي أنا .
تذكرت كيف كنتُ أفكر في عرض نفسي علىالرمادي ، هل هذا ما كان يخيفني ؟ أن يتملص مني .
بعدها عاد لنبرته الأهدأ ،وقال :ستظل علاقتنا كما هي ، وحتى لو تزوجتِ .
طعنتني الكلمة فلم أمهله حتى يكمل، قلت : تزوجت ؟!
- أجل .. وساعتها لن أقتحم عالمك أبداً .
كدت أصرخ : لا لنينقصني ساعتها إلا هذه .. اقتحم عالمي وهددني بتسجيلاتٍ لمكالماتنا ..لكني تنبهتإلى أنه منذ البداية لم يعد بشيء .
أكمل قائلاً : عموماً بإمكانك في أي لحظة أنتقولي أنك كنت مستمتـعة طوال الفترة السابقة و.." مع السلامة "
قلت : حسناً .. لقد كنتُ مستمتعة في الفترة السابقة .
- ماذا يعني هذا ؟!
- يعني " معالسلامة "
وهو يكرر : " مع السلامة "بدا وكأنه يواسي نفسه بأنه سيستوعب هذا فيمابعد .
لم أبك ، وبالتأكيد لم أكن سعيدة ، لكني كنتُ مرتاحة .
لأول مرة أتساءل : هل كنتُ سأسعد لو وافق ؟ هل أريد الزواج حقاً ؟
لا أعني الزواج منه تحديداً ،لكن فكرة الاقتران بأي رجل حتى لو كان حبيباً .
هل كان نواف حبيباً ؟ ما أناواثقة منه أنه كان صديقاً جميلاً ، وأني فقدته .
تذكرت رجائي الواهن قبل أن أفتحمعه الموضوع " أنا لا أريد أن أخسرك " وضحكت من تأكيده : لن تخسريني .
كان عليأن أعرف فلسفته في الحب خارج إطار الزوجية ؛ قال أني لن أخسره لأنه لن يسمح لي بأنأكسبه ، هو الحب بلا تملك ، كيف لم أفهم ؟!
في اليوم التالي وأنا أطالع صورته فيالجريدة تتصدر مقالته أطويها ، ويصيح جرحي محتجاً : لِمَ لم يخبرني ،كان يمكن أنأفكر في الموضوع بشكل آخر قبل أن أبدأ ؟! كان بإمكاني أن أختار طريقي معه على بينة .
في مقالته كان يحكي عن الازدواجية في شخصية المثقف العربي ، وعن التناقض بينسلوكه وكتاباته !!

-------------------------------------------------------

- لابأس ، لم يكن ليناسبك على أي حال .
قلت محاولة الضحك : أتعرفين - يا علياء - أني قرأت اليوم في موقعٍ للأبراج في الانترنت أن أسوأ شريك للقوس هو العذراء ؟
قالت : برجه العذراء ؟
- أجل .
- وهل قرأت عنه في كتاب الأبراج الذيأهديتك إياه ؟
- الكتاب ؟ تصفحته ، لكن يبدو أنه يجب أن أعود له .
- ستخبرينني إن كان كلامه عن العذراء ينطبق على نواف أو لا .
أصمت متأملة مشاعريحين ذكرت اسمه ، ثم أبادرها : أتصدقين.. أنا لم أحزن بعد على ما حدث .
- لم؟
- بعض التزامات تشغلني الآن ، حين أُنهيها سأبكي .
كان ردها هذه المرة ضحكةطويلة ، بدت لي علياء بها غير مقتنعة بما قلت فأكملت : إنه حزنٌ مؤجَّل . أستبقيهخلف غلالته الرقيقة حتى إذا فرغت قلت : هيت لك .
أغلق السماعة وأفكر في اليومالطويل الذي لن أختمه بصوته ، ثم تفرحني فكرة أن قصتنا لم تطل جداً ، أتساءل : كيفيكون حالي لو أني تعودت عليه ؟
منذ الحادية عشرة ليلاً وأنا في سريري ، والجوالقرب رأسي ، كلما ألقيتُ عليه نظرة ، أو اصطدت نفسي متلبسة بجرم التأكد من ضبط مستوىرنينه حلفت للمنتظرة بداخلي أنه لن يفعلها ، ثم عدت أتساءل :أحقاً أني ما تعودتُعليه ؟
بعد الثانية عشرة يأتي صوت علياء ، تسألني إن كنت أُريد أن تنشدني شعراً .
علياء تدللني أكثر حين أكون حزينة ، أو بعد خصامٍ يحصل بيننا . صوتهاالملائكي يحلِّق بي في فضاءات لا يستدل لمكانها صوتٌ آخر .
أنشدتني " ألف أهواه "
تردد : " ماذا أقول له إن جاء يسألني
إن كنتُ أكرهه أم كنتُ أهواه "
قبل أن أستنجد بها لتعلمني ماذا أقول له في عودة لا تبدو لي ممكنة تجيئنيإجابتها في القصيدة الثانية وهي ترتل : " متى ستعرف كم أهواك يا رجلاًأبيع من أجلهالدنيا وما فيها "
لا أحد يقرأ قلبي وخواطره كما هي . كنت ملتذَّة بالوجعالجميل الذي يقطِّره لسانها الحبيب .
تسألني إن كنت اكتفيت فأجيب برجاء طفل أنأكملي ، باقٍ من الوجع باق لم تفتح مغاليقه .
بعين قلبها رأت وجعي يسيل فأرادتأن تلملم ما تهاوى من عزيمتي ، قلبت صفحات الديوان الذي تحمل ثم شَدَتْ : " أيظنُّأني لعبة في يديه ؟! أنا لا أُفكِّر في الرجوع إليه "
-علياء ربما يجب أن أعترفأني أُفكر في الرجوع إليه .
- إياكِ أن تفعلي يا وسمية !
- بالتأكيد لن أفعل، إنها فقط أمنية ، كفى بالزمن شافياً .. سأنسى صدقيني .

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-02-2010, 02:13 PM   #3
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
Smile

لا بأس ، لم يكن ليناسبك على أي حال .

قلتمحاولة الضحك : أتعرفين - يا علياء - أني قرأت اليوم في موقعٍ للأبراج في الانترنتأن أسوأ شريك للقوس هو العذراء ؟

قالت : برجه العذراء ؟

-
أجل .

-
وهلقرأت عنه في كتاب الأبراج الذي أهديتك إياه ؟

-
الكتاب ؟ تصفحته ، لكنيبدو أنهيجب أن أعود له .

-
ستخبرينني إن كان كلامه عن العذراء ينطبق على نواف أو لا .

أصمت متأملة مشاعري حين ذكرت اسمه ، ثم أبادرها : أتصدقين.. أنا لم أحزن بعدعلى ما حدث .

-
لم ؟

-
بعض التزامات تشغلني الآن ، حين أُنهيها سأبكي .

كان ردها هذه المرة ضحكة طويلة ، بدت لي علياء بها غير مقتنعة بما قلت فأكملت : إنه حزنٌ مؤجَّل . أستبقيه خلف غلالته الرقيقة حتى إذا فرغت قلت : هيت لك .

أغلق السماعة وأفكر في اليوم الطويل الذي لن أختمه بصوته ، ثم تفرحني فكرة أنقصتنا لم تطل جداً ، أتساءل : كيف يكون حالي لو أني تعودت عليه ؟

منذ الحاديةعشرة ليلاً وأنا في سريري ، والجوال قرب رأسي ، كلما ألقيتُ عليه نظرة ، أو اصطدتنفسي متلبسة بجرم التأكد من ضبط مستوى رنينه حلفت للمنتظرة بداخلي أنه لن يفعلها ،ثم عدت أتساءل :أحقاً أني ما تعودتُ عليه ؟

بعد الثانية عشرة يأتي صوت علياء ،تسألني إن كنت أُريد أن تنشدني شعراً .

علياء تدللني أكثر حين أكون حزينة ، أوبعد خصامٍ يحصل بيننا . صوتها الملائكي يحلِّق بي في فضاءات لا يستدل لمكانها صوتٌآخر .

أنشدتني " ألف أهواه "

تردد : " ماذا أقول له إن جاء يسألني

إنكنتُ أكرهه أم كنتُ أهواه "

قبل أن أستنجد بها لتعلمني ماذا أقول له في عودة لاتبدو لي ممكنة تجيئني إجابتها في القصيدة الثانية وهي ترتل : " متى ستعرف كم أهواكيا رجلاًأبيع من أجله الدنيا وما فيها "

لا أحد يقرأ قلبي وخواطره كما هي . كنت ملتذَّة بالوجع الجميل الذي يقطِّره لسانها الحبيب .

تسألني إن كنت اكتفيتفأجيب برجاء طفل أن أكملي ، باقٍ من الوجع باق لم تفتح مغاليقه .

بعين قلبهارأت وجعي يسيل فأرادت أن تلملم ما تهاوى من عزيمتي ، قلبت صفحات الديوان الذي تحملثم شَدَتْ : " أيظنُّ أني لعبة في يديه ؟! أنا لا أُفكِّر في الرجوع إليه "

-
علياء ربما يجب أن أعترف أني أُفكر في الرجوع إليه .

-
إياكِ أن تفعلي يا وسمية !

-
بالتأكيد لن أفعل ، إنها فقط أمنية ، كفى بالزمن شافياً .. سأنسى صدقيني .


-------------------------------------------------------

-
أظنهالازالت حزينة يا ابنتي ، لا تبوح بأي شيء لكن انزواءها ، قلة أكلها ، المسجل الذيلا يسكت في غرفتها ..

-
دعيها يا أمي ..وسمية قوية ، لكن ليس من السهل أن تتجاوزما حصل بسرعة ، زواج زوجها السابق ، وخيانة صديقتها .

-
أخاف أن يصير لها شيء ،إنها تذبل بسرعة هذه الأيام ، والناس لا يرحمون ، ماذا ستقول زميلاتها في المدرسةإذا رأينها بعد الإجازة وقد فقدت نصف وزنها ؟ كلميها يا ابنتي ، أرجوك ، أنت تعرفينأنها لا تسمع مني .

-
لو قلت لها أن تنتبه لنفسها لأجل الناس فقد تصوم عناداً ،لكني سأكلمها ، أعدك بذلك .

-
حسبي الله على من في بالي .


-------------------------------------------------------

صباحاًقبل أن يستيقظ البيت وبعد أن أمل مخاتلة نوم لا يجيء أستحضر روح مها ، ومن مثلها ليالآن ، الفتاة التي لا تجزم بشيء ، لا تُخطِّئ أحداً ، التي تفهم كل وجهات النظر ،وتتعاطف مع كل الأطراف استحضرها لأستفتيها ، قالت : ربما بعد أن سرتِ الطريق حتىآخره ما كان أمامك إلا الابتعاد عنه ، ولكنه أيضاً مسكين ، الأكيد أنه ما كان ببالهأن هذه ستكون النهاية ، إنها لعبتكما المجنونة .

-
أتعرفين ليت كل هذا يُمحىويعود نوافي القديم ، سري الذي لا أبوح حتى لك به .

أتساءل : لو سمعت مني مهاهذه العبارة الأخيرة ألن تغضب؟


--------------------------------------------------------


فيالسابعة والنصف يأتي هاتف علياء .

-
كيف يكون حاله الآن ؟

- "
يفرك منالحسرة " قالتها علياء بتشفٍ جعلني أنشغل بها عنه ، أتساءل : لم تماهت مع دوري بهذاالشكل ؟ هل مرتَّ بتجربة مماثلة يوماً ؟

عدت أفكر في كلامها ، هل هو حزين الآنحقاً ؟ لا أدري إن كان يجب أن يسعدني ذلك أو يُحزنني .

بعد أن تغلق السماعة أعودلسريري الذي ليس فيه نوم ، نواف يقف بجانبه يغني بصوت كاظم الساهر شاكياً حاله معيوبعدي :

"
قالت لكل الأصدقاء :

هذا الذي ما حركته أميرة بين النساء،

سيستدير كخاتم في إصبعي ،

ويشب ناراً لو رأى رجلاً معي ،

ويكون بيديأضعف من ضعيف .

ويكون ما بين أقدامي كأوراق الخريف "

أقرر أني بعد شهر منالآن سأجعل واحدة ( لا يهم الآن من تكون ) تكلمه ، تخبره أني أحببت آخر وأنيسأتزوجه ، وهو يبكي ، ثم ..ثم .. أنا أبكي .

بعد سنة على هذه القصة أحكي لصديقة ( كاتبة ) حكايتي مع نواف دون أن أسميه فتتعاطف ، تنصحني بتناسيه .

حس التفهم فيصوتها يجعلني أندفع : ما سألتني من هو !

-
تلك خصوصياتك وليس لي أن أسأل .

لكني أردت أن أخبرها رغم أني أعرف أن علاقتها الرسمية به جيدة جداً .

لمانطقت باسمه صاحت : فعلها معك أنت أيضاً !!


--------------------------------------------------------

أُقلِّبكتاب الأبراج الذي أهدتنيه علياء قبل مدة ، أتذكر صدمتي لما طالعته أول مرةفاكتشفتُ أنه يعرفني أكثر مما أعرف نفسي .

مؤلفة الكتاب ساحرة عجوز ، قبل أن تخطحرفها الأول فيه ظلَّت تمسِّد بلورتها حتى من بين دخانها تكاثفت أنا ، تأملتني ،قلَّبتني طويلاً ، ثم كتبت : " هكذا دائماً القوس ، ذكاؤه حاد ، سريع الخاطر ، صادقوبشوش ، يحب المزاح ، إلا أنه يفتقد لصفة هامة جداً ألا وهي اللباقة رغم أنه يعتبرنفسه نموذج الدبلوماسي .

ثرثار بشكلٍ غير عادي ، وعدم ضبطه لحديثه والتأني فياختيار العبارات كثيراً ما يدفع ثمنه غالياً . لا يوجد لديه ولو جزء بسيط من التملق، يختلف عن الآخرين بشجاعته النادرة ، تجاربه المصيرية الخاصة مرتبطة بشكل أو بآخرباللعب مع الموت ، له روح مرحة ، لكن لأن رمزه النار ( وهي يمكن أن تهب فجأة وتشعلما حولـها ) فإنه ينقلب كائناً آخر عندما يحاول أحد أن يتخطى حدوده أو يظلمه .

لديه استعداد حتى للخروج على طاعة السلطات وفيه رغبة في التمرد على الأنظمةوالقوانين .

يتصرف بالقول والفعل أولاً ثم يبدأ التفكير .

هو في الحبرومانسي لكنه غير ثابت أبداً . أما الجوانب الأقل إشراقاً في طبع القوس فهيالانفعالية البركانية المفاجئة ، التطرف الحاد ، الاستهزاء .

تنهي حديثها هذالتروعني أكثر وهي تصف شكلي ؛ ذو رأس جميل الشكل ، كبير الحجم نسبياً ، جبهته عريضةعالية ، خطوط الوجه ناعمة قريبة للقلب ، سريع الحركة ، كثيراً ما يستخدم الإشاراتوالإيحاءات في حديثه .

عند هذا الحد أنظر في المرآة لأتأكد ثم أعود لها : عيونهمشرقة ساطعة فيها كثير من الحيوية وشيء من المكر ، في فترتي الطفولة والشباب تتدلىعلى جبينه عادة خصلة من الشعر ، وبعد أن يكبر ويغير تسريحة شعره ، أو يصاب بالصلعتبقى عنده عادة رد رأسه للخلف .

بالنسبة للمرأة القوس لن يعجبك ما تنطق بهأحياناً ، فقد تقول أشياء تجعل شعر رأسك يقف من شدة الانفعال . وإذا ما أحسستْ أنحديثها ليس لائقاً ولا في محله ستحاول أن تنسيك إياه بطرفة أو قبلة . على الرغم منأنها متطرفة السلوك ، لكنها تنظر إلى الحياة بتلك النظرة الثاقبة والحادة كثيراً .

هذه المرأة صادقة إلى درجة أنها ترغب ولو لمرة واحدة أن تحيد قليلاً عن الصوابلأن الجميع لا يهوون سماع الحقيقة المجردة .

إنها تحب الاستقلالية ولا تكترثللروابط الأسرية ، وتفضل العيش بمفردها . إذا أردت منها أن تنفذ لك أمراً فلا تحاولإصدار الأوامر إليها بل اطلب منها بلطف لأنها حتى في طفولتها لم تسمح لأمها بإصدارالتوجيهات والتعليمات لها .

المرأة القوس قد تصاب بجرح عميق في قلبها ، لكنها لاتُظهر ذلك أبداً على الملأ وإنما ستتظاهر بالمرح ، بينما هي حقيقة ستملأ الوسادةبالدموع تحت أجنحة الظلام .ولن يشعر بذلك حتى أقرب المقربين إليها ، وسيعتقدون بأنهلم يتبدل لديها شيء .

القوس الزوجة لا تنـزع أو تميل للزواج . لذا عليك أنتُحْسن اختيار أسلوب التعامل معها كي تنجذب إليك وتتعلق بك ، فمثلاً قد لا ترغب فيترك عملها واعلم أن الكلام معها في هذا الخصوص لن يُغيِّر في الأمر شيئاً ، لأنهابمطلق الأحوال ستفعل ما يحلو لها وعلى طريقتها .

أما ما يخص مواهبها كربة بيتفالأمور معقَّدةٌ بعض الشيء . هي لا تحب القيام بأعمال التنظيف والغسيل وبقيةالأعمال المنزلية الأخرى ومع ذلك ستحاول الإبقاء على نظافة بيتها قدر الإمكان .

ومع أنها تقوم بتحضير الطعام فهي ليست مغرمة بهذا العمل كثيراً لأنه غير محببإليها .

أطفالها يحبونها ، وبيتها أشبه بالسيرك ، هناك اللهو والمرح والضحكوالتفاؤل الكبير . بيئة ممتازة لتربية الأطفال . زد على ذلك الأمانة والإخلاصوالعقل النيّر .

المرأة القوس مثالية جداً دون أي جدال ، وستدرك أنت ذلك فيوقتٍ ما ، إذ تأتيك في يومٍ هادئ سعيد لتعترف لك بأنها فتشت عنك أنت بالذات منذطفولتها . ويا لسعادتها لأنها وجدتك في النهاية "

-
يا إلهي حتى هذه عرفتها ، " فتشت عنك أنت بالذات منذ طفولتي . ويا لسعادتي لأني وجدتك في النهاية "

ماأدراها هذي العجوز أني كلما تخيلتُ رجلي الحلم ، كلما أقعدته بجواري قلت له ذلك ؟!!


-------------------------------------------------------

في سجليومياتي أدون : اليوم فقدت غموضيالساحر ؛ لم تُبقِ فيَّ أية غموض ذي التي حتى شكليتعرفه ، حتى الحركة الملازمة ( رد الخصلة النافرة على الجبين للخلف ) ذكرتها !!

أتجه عارية لصوت الدكتورة : هل أنا برجي يا دكتورة ؟ أقصد ..أكره القيود .. أن أكون أسيرة أي شيء حتى صفاتي ؟ هل أنا هو ؟

-
لا يا وسمية ..أنتِ تبدئين منبرجك كي لا تنتهي به ، خذي من برجك أفضل ما فيه ثم ارتفعي عليه ، مري بالأبراجالباقية واحداً تلو الآخر ، خذي محاسنها واحداً واحداً حتى تكوني زهرة الأبراج كلها .

كلام الدكتورة أسعدني جداً ، أطلقني مرة أخرى ، ومرة أخرى حمَّلني همَّ نفسي .

قلت : يجب أن أكونها زهرة الأبراج هذه ..

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-02-2010, 02:16 PM   #4
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
Smile

حي هادئ جداً وراقٍ ، مساكنه ذات الأسوار العالية تطل على شوارعه بعيون ناعسة ، أحسست أنه سيلفظني بسيارة الأجرة الجربانة التي تحملني .
أتمنى لو أهاتف مها ؛ وحدها كانت تشجعني على زيارة الدكتورة ، كانت متحمسة لرؤية هذه المرأة , وإن يكن بعينيَّ أنا ..
مع المنعطف الأول في الشارع أقبلت ، بعينيها العسليتين وضفيرتها التي تتأرجح بين الأسود والبني ، وتكاد لا تعلن انتماءها صراحة لأحدهما تطل صديقتي القديمة ، تجلس بجواري ، تهمس في أذني حتى لا يسمعنا الهندي ( سائق الأجرة ) : ها أنت تفعلينها أخيراً ، وتزورينها .
- تعرفين يا مها كم تمنيت ذلك .
- وأعرف كم كنت تتهيبينه ، كنت جبانة بما يكفي لتؤجلي الزيارة أربع سنوات .
فيما كنت ألتفت لها مستنكرة لأسألها إن كان هو من علم لسانها أن يصبح أطول مما كان وجدته يقترب ، يمد يده من نافذة السيارة ، يشدها بعيداً ، ويغادر.
أنظر في عينيها ، أحاول إعطاء النظرة فيهما اسماً مناسباً فلا أجد ،كدت أحزن لحالها معه لولا أني خفت أن يكون ذلك مني محاولة للعب دور مثالي دون وجود ما يكفي من جمهور .
الهندي مع ثاني ثنية في الشارع ينعطف بالسيارة يميناً لتطالعنا لوحة عيادة الدكتورة مرحِّبة .
البناية من الخارج لا تشبه تصميم المراكز الطبية في شيء ، جعلتني أقرأ اللوحة على الجدار أكثر من مرة قبل أن أدفع الباب الموارب .
هدوء المكان يشيع شيئاً كالوهن في أعصابي ، زادته موظفة الاستقبال وهي ترسم ابتسامة على وجهها حين رأتني .
لا إرادياً كانت بسمتي المحتشمة تحاول مجتهدة الالتصاق بوجهي ، سألتني عن اسمي فأعطيتها واحداً ارتجلته لساعتي .
في " أرض السواد " لعبد الرحمن منيف كلام عن طبائع البدو ، قال فيه أنهم ( وهم الماكرون فطرةً ) لا يثقون بالغرباء بسهولة ، ربما معه حق ، فقد اقتنعت أن اسمي من أسراري الشخصية التي لا يجوز أن أبوح به لهذه لمجرد أنها تبسمت لي .
في غرفة الانتظار دخل شخص ما بيده ورقة فيها بيانات عني ، ثم أشار بيده إلى أسفل الورقة حيث كُتب بلون أحمر حار " تلقت لفترة ما علاجاً سيكولوجياً "
كرهت الرجل ، لكني لأغيظه وضعت اصبعي بأعلى الورقة عند الاسم ، ثم قلت : أرأيت ..لقد احتطت لذلك ..
حين تبخر الرجل اكتشفت كم هي واسعة غرفة الانتظار ، وفارغة جداً ، وحدي فيها ، أعد المقاعد الشاغرة ، وكل لحظة أُقعد ماجداً على أحدها ، مرة بلحية ومرة دونها .
حين تدعوني الموظفة للدخول أتبعها للأعلى ، ولتخفيف توتري أحاول جعل خطواتي متناغمة مع خطواتها ، في اللحظة التي أنجح فيها تفعلها فتقف ، أحسستها تعمدت ذلك .
بابتسامتها نفسها أشارت بيدها لي أن أدخل ، فلم أمنحها واحدة مماثلة هذه المرة .
أدفع الباب السميك جداً ، وأتذكر أني كنت قرأت أن المعالجين النفسيين يختارون هذه الأبواب المصممة خصيصاً لتعزل الصوت ، أحاول أن أخمن إن كانت الدكتورة ستحملني على ما قد يستدعي كتم صوتي ؟
الظاهر أني جبانة فعلاً كما قالت مها ، فساعة دفعته لم أجرؤ على النظر باتجاه الدكتورة مباشرة ، بصري ينخفض ، وحين أرفعه يتأمل أكثر من شيء في الغرفة قبل أن ينصب عليها ، كنت أخشى اللحظة قدر ما أحببتها .
وجدت أمامي امرأة خمسينية بمعطفٍ أبيض ، متوسطة الطول ، لها شعر أسود كثيف وقصير ، وعينان تبرقان .
تحت بياض معطفها بان اللون البرتقالي ، فتذكرتُني وأنا أصنف صوتها برتقالي النكهة ، أقرر لحظتها كتابة ذلك في سجل يومياتي باعتباره مؤشراً على قوة بصيرتي ، وإشارة خير بأن المرأة التي عرفتها صوتاً ستكون هي وزيادة حين أعرفها جسداً .
تبسمت المرأة واقتربت مني ، ولأول مرة أسمع " هلا يا وسمية " حية مباشرة .
كان السؤال الصعب بعد أحاديث نسائية صغيرة : بم سنبدأ ؟
- لا أعرف يا دكتورة ، جئتك اليوم لأسلمك نفسي ، فانظري أي جزء فيَّ معطوب أكثر لنبدأ به .
تضحك الدكتورة وتشغلني صورتها وهي تتكامل الآن ؛ هل ستجعلني أحبها أكثر أو أقل من السابق ؟

----------------------------------------------------------

- هل هذه إشارة تراجع منك يا أبا بصير ؟!
- لا..لقد بعت الله نفسي ، ولا عودة في ذلك ، لكني فقط تذكرت أهلي ، ما كنت أعتقد أن فراقهم سيكون صعباً هكذا .
- هذا جزء من ثمن الجنة يا رجل ، والباقي كثير ، ادفعه بسرعة حورياتك ينتظرنك .
- توكلنا على الله ، يقولها ثم يتذكر أمراً ما فيهتف بالرجل وهو يستدير : متى نكون هناك ؟
- قبل الفجر سنقلع إلى باكستان ، وبعون الله نصل كابول بعد عصر اليوم التالي .
يربت الرجل على كتفه ، ويقوم ، ثم يتناول ماجد مصحفه الصغير ليكمل التلاوة .

----------------------------------------------------

- ماذا تريدين بالضبط يا وسمية ؟
- في الليلة التي سبقت مجيئنا للرياض كنت أرتب أوراقاً قديمة ، بينها وجدت ظرفاً ما إن تناولته حتى سقطت منه طفلة لم تتجاوز عامها الأول ، عيناها المدورتان المفتوحتان بدهشة بيضاء ، استدارة وجهها ، الشعيرات الخفيفة المنسدلة على رأسها محاوِلةً بجهد خارق ملامسة حواجبها الكثيفة ، ثغرها المرسومة عليه كلمة خاتلتها الكاميرا فالتقطت لها الصورة قبل أن تنطقها ، كلها أثارت فيَّ حنيناً لها لا يوصف .
كانت تلك وسمية الصغيرة المطمورة تحت أنقاض الروح ، أريد أن أُخرجها يا دكتورة .
من عيني الدكتورة هناء يسيل شيء كالأمومة أحس معه بالراحة فأكمل : حين ارتمت في حجري ذلك اليوم آمنتُ أنها تريدني قدر ما أريدها ، تحتاجني فكيف أستعيدها ؟
- بذات الحنين الذي يتبدى في صوتك الآن ناديها ، وصدقيني ستأتي .
- حقاً يا دكتورة ؟ كيف أفعل ؟
قامت ، اتجهت لغرفة أخرى ، وحين التفتت لتجدني لا أزال في مكاني أشارت بيدها أن تعالي .
أدخلتني غرفة غريبة ، كانت الألوان فيها عجوزاً متكدرة المزاج ( هكذا أحسستها ) قدرت أن مراجعي الدكتورة المرضى قد تؤذيهم الألوان الفرائحية إن هي حاصرتهم وهم يبوحون بأوجاعهم هنا ، لذا انتقت لهم ما يشبههم .
تقعدني على أريكة بنية الوجه ، وأسألها إن كان الديكور والأثاث في المكان معداً بما يناسب ذوقها هي أم هو مناسب للمراجعين ؟
- بالطبع هو معد على أسس علمية مدروسة .
فكرت أنه بإمكاني الآن براحة إخبارها أني لم أحبه ، لكنها عاجلتني بطلبها أن أستلقي على الأريكة لتبدأ العمل .
بعد خطوات الاسترخاء جعلتني الدكتورة أتذكر ملامح الصغيرة بأكبر وضوح ممكن ، طلبت مني أن أناديها ، وبين يدي وضعتها ، كانت صغيرة ناعمة ، قالت لي : هاهي وسمية الصغيرة ، إنها ابنتكِ الآن ، ماذا تريدين أن تفعلي معها ؟
ضممتها لصدري ، تحسست جبينها بإصبعي ، ثم بللت وجهها الذي أُحب بماء عيني .
كنت لا أزال أغلق عيني ، وأتأمل صورتها في ذهني ، الدموع جلتها ، أزالت قشرة الرماد عن وجهها ، خداها اصطبغا بذات الحمرة القديمة ، فستانها ارتشف بعض الماء أيضاً فسرت فيه الروح ، عادت له زرقته السماوية .
حين طلبت مني الدكتورة أن أستيقظ كنت لا أزال أبكي ، لكن داخلي كان هادئاً جداً ، كانت أفكاري – كما أطفالٍ صغار – أرهقهم اللعب طويلاً فناموا .

-------------------------------------------------------

- هذه البنت ستصيبني بالجنون ؛ في الوقت الذي نستمتع فيه بوقتنا تتجه للمكتبات لتزيد أكوامها في غرفتها .
- أمي ..وسمية أيضاً تستمتع بوقتها على طريقتها ، نفس السعادة التي تجدينها في السوق تجدها في المكتبة ، ورضاك عن حاجة جديدة تشترينها رضاها عن كتابٍ تحصل عليه أكبر .
- تقولين ذلك فقط حتى لا أغضب ، أنت لا تفعلين مثلها ، ليتها مثلك أو مثلي .
- أمي الله خلقنا مختلفين ، ويجب أن نقبل ذلك ، ولو ضغطت عليها فكل ما ستحصلين عليه هو جعلها تتألم .
- أهي قالت لك أني أضغط عليها يا ريم ؟!
- لا يا أمي ، أبداً ، لكني فقط أردت أن أوضح لك الصورة .
- الأمر واضح ، ابنتي الكبرى تخجلني دائماً ، لا حضور لها في أوساط النساء ، ولا تريد الزواج مجدداً ولا العودة لزوجها السابق ، ولا تتصرف كما تتصرف النساء . أحياناً أحس أن الله جعلها عقوبة لي على ذنب لا أعرفه ، أو ابتلاء من عنده .

----------------------------------------------------

أخرج من عندها خفيفة جداً ، تدنو مني سيارة أجرة فأتجاهلها وأتابع طريقي ، أريد أن أمشي طويلاً وأنا بيضاء نقية ، الكثير من الوجع بددته هذه المرأة العظيمة الليلة .
أتأمل الدمية الصغيرة ( رمز وسمية الطفلة ) التي أهدتنيها ، أتلفت يميناً وشمالاً ، وحين أتأكد أن ليس في الشارع أحد ، أضمها لصدري مجدداً .
أريد أن أكتب شعراً ، أو أسمع شعراً ، أريد أن أغني ، أن أخبر الدنيا أني طاهرة وخفيفة وسعيدة .
حين انعطف بي الشارع الذي فيه عيادة الدكتورة بدا لي الآخر أباً يفتح ذراعيه لي وحدي ، لم أستطع مقاومته ، ركضت على صدره قليلاً ، ولما سمعت صوت سيارة من بعيد همست لوسمية الصغيرة التي مازالت تضحك أطلب منها أن تسكت ، ثم توقفنا عن السير .
أسلمتني آخر عطفة في الحي إلى شارع سريع ، وسرعان ما لمحتني سيارة أجرة أخرى .
أتأكد أن الصغيرة مرتاحة في جلستها بجواري في السيارة ، ثم أتناول جوالي من الحقيبة ، وأكتب : " أنا راضية عن نفسي لأني ذهبت للدكتورة ، وأريد أن أكافئني فماذا أفعل ؟ "
أرسلتها لعلياء ثم لريم ، جاء رد ريم سريعاً : كافئيها بأن تعودي لأهلي بسرعة ، اتصلت بهم قبل قليل ، أمي متكدرة وأبي يسأل عن المكتبة التي مازالت مفتوحة حتى هذا الوقت لأجل خاطرك ؟!
الغريب أني لم أتضايق ، بل أني شعرت بالامتنان لها ، بعثت لها رسالة أخرى أشكرها بها لأنها ذكرتني بكذبتي التي كدت أنساها وأرسلت لها قُبلة أيضاً .
بعد قليل جاء رد علياء : كافئي نفسك بأن تتصلي بي ..
أحب هذا الغرور فيها ، يشبه غروري كثيراً .
أرسلت لها : يبدو أنك لم تفهميني ، أريد أن أكافئ نفسي لا أن أكافئك أنت .
بعدها بدقيقة هاتفتني : ماذا فعلت معها ؟ بسرعة خبريني ..
- هذه المرأة رائعة يا علياء ، هذا كل ما أستطيع أن أقوله الآن ، والبقية في الحلقة القادمة .

-------------------------------------------------------

في الصباح التالي أنهض من النوم ناسية كلمات أبي اللائمة التي نمت عليها ، ووجه أمي المستاء ، متذكرةً الحلم القصير الغريب ، أسجله حتى لا أنساه " لوحة فيها رجل له شعر أحمر " ثم أضع الرجل الأحمر في حقيبتي بانتظار لقاء الدكتورة في الليل .
هي قالت أني سأرى حلماً مهماً ، وأود لو أتصل بها الآن لأسألها إن كان هذا هو المطلوب أو أعود للنوم لأجلب واحداً أفضل .
- أحمر ؟ أهذا كل شيء ؟!
- هو كل شيء ..
- وهذا ما ستقولينه لها ؟!
- هذا ما رأيت يا ريم .
- سأحترمها جداً لو طردتك الليلة ، أما إن هللت للحلم ، واستولدته دلالات لا ارتباط بينها وبينه سأتأكد تماماً أن هذه المرأة تسرق نقودك برضاك .
أسكت حين يمر أبي بقربي ، وأتذكر أن علي ( بعد الظهر ) إعداد كذبة جديدة لتبرير غيابي ليلة أخرى عن المجموعة . ريم التي لم تشأ إغلاق الهاتف حتى تثق أنها أفسدت مزاجي الرائق بشكل تام ، تسألني : هل اتصل بك ماجد ؟
- لا ، لماذا ؟
- لا أدري ..أنا قلقة ، قال أنه سيذهب للعمرة ، ولن يغيب أكثر من أسبوع ، وأنه سيوافيكم في الرياض أو يعود للديرة ، وها قد مرت عشرة أيام لا اتصل فيها ولا عاد .
- لا أهتم ، مادام رفض الذهاب معي للدكتورة فليذهب حيث شاء .
- أعرف أنك تهتمين جداً ، ولكنك تحاولين ألا تظهري ذلك .
- ليس صحيحاً .. هو اختار طريقه وهو من يجب أن يقلق على نفسه .

----------------------------------------------------------

- كنت في الليلة السابقة أفكر في علاقتي بأمي باعتبارها الموضوع الأهم الذي يجب أن أبدأ به معك ، وعرض التلفاز برنامجاً عن فنان تشكيلي فرنسي يقيم معرضه الأول ، شدتني بعض لوحاته ، ونمت بعد البرنامج فجاء هذا الحلم .
الدكتورة تتأملني بصمت ، وأنا ألمع أعطاف حلمي ليبدو أكثر أهمية ، أقول لها : تذكرت ، قد يكون لهذا علاقة بحكاية قديمة .
أقولها وأسكت ، ويبين من اعتدال الدكتورة في جلستها واتجاهها بالكامل لي أنها بدت تهتم فعلاً .
- آها ؟
- كانت زميلة لي تحدثني يوماً عن أخطاء طالباتها الطريفة في الاختبارات ( كانت معلمة تاريخ) قالت لي أنها درست الصغيرات سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فروت لهن من صفاته أنه أبيض مشرب بحمرة ، قالت أن إحداهن في الاختبار التالي كتبت أنه أبيض وشواربه حُمرٌ .
- هذه هي ، فقد نمت وعلاقتك بأمك ببالك ، فجاء الحلم ليقول أن هذه العلاقة فيها لبس ، سوء فهم أو سوء إفهام أو سوء تعبير .
- أو هي كل ما قلت يا دكتورة .
- ولم ذلك كله ؟
- لا أعرف ، فقط أتذكر أني مذ بدأت أستبطن مشاعري اكتشفت أن في خاطري شيئاً سيئاً فيما يخصها .
- يجب أن نصحح هذا ، العلاقة بالأم هي الأهم على الإطلاق ، ودون سلامتها لا تتحقق الصحة النفسية .

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-02-2010, 02:17 PM   #5
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
Smile

حصلت تطورات في حكاية صاحبتنا هدى ..
هدى الاسم الحركي لرجل لا لامرأة ، قالته علياء ذات يوم والتصق بصاحبه ، كانت للمرة الأولى تحكي لي عن خال صديقتها الذي يود الارتباط بها ، ثم اتفقنا أن تكمل الحكاية لي على الهاتف .
في الليل وأثناء المكالمة صارت تشير إليه بصيفة الغائب ففهمت أن هناك أحداً بجوارها وهي تكلمني ، آثرت أن أشاكسها فافتعلت غباء فريداً وأنا أسألها من تقصد حين تتكلم بشكل مبهم ؟
( كانت تخبرني أنه في الديرة بعد غيبة ست سنين ) وحين أرهقتها قالت : صاحبتنا هدى ، ساعتها ضحكت بقوة ، وغضبت هي ، لكننا صرنا دوماً حين نتحدث عنه ( بحضور أحد أو وحدنا ) نتحدث عن هدى .
- بشري ماذا حصل ؟
- بنت أخته كلمتني اليوم ( وهي من فترة طويلة ما اتصلت ) سلَّمت وتكلمت في أمور عامة كثيرة ، وذكرت عرضاً أن خالها هنا ، ولم تنس سؤالي إن كنت قد تزوجت أو على وشك ذلك .
- يريد أن يتقدم ، ويفضل أن يكون واثقاً قبل أن يفعلها ، هل يعني هذا أني سأراك زوجة قريباً ؟
- وسمية أشم في كلامك رائحة رضا بالموضوع ، وأعرفك دوماً ناقمة على مؤسسة الزواج !!
- أنا أكره المرأة التي تتزوج فيمتص الرجل روحها ، أكره المرأة التي تصبح بعد الزواج شبح امرأة ، كائناً صالحاً للإنجاب والمعاشرة فقط ، ألا تلاحظين أن بريقاً في أعين بناتنا ينطفي بمجرد الزواج .
- أنت قلتها من قبل ؛ الزواج عندهن هدف في حد ذاته فإذا تحقق صار من الصعب خلق واحد جديد .
- وهذا ما يجعلني أنقم على الزواج ، ولكني أحسب أنك مختلفة حتى في هذا ، وأنك ستستطيعين أن تظلي كما أنت جميلة كيوم عرفتك ، بروح خضراء ، وقدرة على الحُلم .
- إن شاء الله .
لا أدري لم أحسست في كلمتها هذه شيئاً من خوف ، تجاهلته وباركت لها ، قالت : لم يحصل شيء بعد .
- سيحصل غداً ، ألن يكون ردك الموافقة ؟
- لا أعرف ، ومع أني تحدثت معك طويلاً في الموضوع إلا أني لست واثقة من مشاعري تجاه هذا الرجل .
- لكني واثقة من مشاعري أنا ، منذ المرة الأولى التي تحدثت فيها عنه كان واضحاً أنه يعني لك الكثير .
- وسمية أنت تعرفين ..أنا أحببت فكرة أن رجلاً مشدود إلي ، وأنه ظل كل هذه السنوات ( كما تروي ابنة أخته ) ينتظر فرصة مناسبة ليتقدم لي ، لكن هل هذا كاف لأرتبط به ؟
أعرف أن كلامها وجيه جداً ، لذا تعقلت أكثر وأنا أقول : ألا تعرفين عنه شيئاً يجعلك تقررين بقناعة الموافقة أو..؟
- أعرف رقم جواله . تقولها وتضحك ، فأبادرها أنا : جميل جداً ، أعطني إياه لنتأكد من أخلاقه قبل كل شيء .
- هل أنا مجنونة لأفعل ؟! ما زلت أذكر ما فعلت مع نواف ، ولن يكون هذا التالي .

-----------------------------------------------------

- استرخي ثم عودي للخلف ..سيري رجوعاً لبيتكم القديم ..بحثاً عن البداية..بحثاً عن الأساس..
على أريكتها / في طريقي كانت صور كثيرة تصطف على الجانبين كلافتات إرشادية .. بعضٌ كثيرٌ من أخطاء أمي التي ظننتُ أني نسيتها : ضربها ، تفضيلها ريماً عليّ،كل كلمة قالتها لي في طفولتي فأوجعتني .
أعود مروراً بحديقة البلدية فالسوق..عبر دهاليز حينا القديم وصولاً لبيتنا ، وكما أوصتْ الدكتورة أصغُرُ في كل خطوة .
وصلتُ باب بيتنا الخشبي الكبير. استقبلتني نقوشه مهللة ، لكني فوجئتُ إذ لم أقف عنده..ركضتُ . تجاوزتُه ..ظننت أني سأذهب لبيت أخوالي لكني قبل منعطف المحكمة اتجهت يميناً في خط مستقيم حتى تراءت لي بيوت أعمام أمي . تطل من خلفها عمامة النخيل المسودّة ..
وقفت مع صغارٍ مثلي نلعب . اثنتان من البنات تتحرشان بي ، تسبانني فأسبهما ..تضرباني و أحاول جهدي ..
من وراء أحد الجدران تبزغ أمي يسبقها صغير ما أذكر شكله يشير لي بسبابته " ها هي "
أفرح بمرآها ..استمد منها قوة ..تكاد ترجح كفتي بعد أن مرغت البنتان وجهي في الرمل ..
تشدني بيدي لتبعدني فأفهم أنها لن تنتصر لي ، لا أطاوعها ..تحاول مرة أخرى ثم تشدني بشعري .
البنتان تبتعدان .. تتفرجان..يستمر غضبي فأصرخ ..أتفلّت..تضربني أمامهما وأمام كل المتفرجين ، تضحكان ، ويستمر ضحكهما في أذني حتى نصل المنـزل ، ويظل يخمش أذني في فراشي حتى أنام .
أنهض مثقلة بوجع الضرب ووجع السخرية ، مثقلة بروح سوداء تكره أمي..
الدكتورة تمسح رأسي ، تضع يدها على صدري الذي تنتفض فيه عبرات طفلة : عليك أن تتطهري من هذا كله الآن .
- كيف ؟
تعيدني للمكان ، أعيش الحادثة كاملة حتى الضرب وآلامه ، رائحة الغبار في أنفي وهن يفركن وجهي في الأرض .. صوت أمي المتسائل : أين هي ؟
فرحتي ، ثم غضبي وهي تنتزعني من المكان دون أن تضربهن ، مقاومتي ، ألم رأسي وهي تشد ضفائري .
تتوتر عضلات وجهي ، أريد أن أصرخ ، فتشجعني الدكتورة ، أصرخ ، وأصرخ ، وحين يخفت صوتي قليلاً تضع منديلاً في يدي .
- بهذا المنديل الذي تقبضين عليه في يدك امسحي الشاشة التي عليها المشهد حتى تنظف تماماً .
يروعني الأحمر الكثير الذي يسيل من المنديل ، أعرف أنه كما قالت الدكتورة غضب ، أحاول ألا يجعلني منظره أفقد استرخائي ،ويأتي صوتها سنداً :تحت أقدامك الآن أرضٌ مروية بالماء وخصبة . هل تحسين برودتها في رجليك ؟
أومئ برأسي فتكمل : احفري حفرة صغيرة ، وادفني المنديل فيها ، ثم امضي .

-----------------------------------------------------

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-02-2010, 02:18 PM   #6
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
Smile

لماذا ؟
- الدكتورة قالت لي يا علياء أن الأرض رحم ، تعيد إنتاج الأشياء ، وأني بدفني المنديل فيها ستزول المشاعر السلبية التي مسحتها فيه ، وسيعاد لي بمشاعر إيجابية .
- وسمية لا تصدقي ذلك عن نفسك ، أنت أجمل من أن يختزن داخلك سوأة صغيرة كهذه ليشوه علاقتك بأمك .
أنا حتى لا أصدق ما تقولينه عن إحساسك تجاهها ، هذا كله حين أحاول ضمه لصورتك في عيني ترتبك كلها ، لا يمكن أن تكوني هذه التي يصفها لسانك .
حين تبتلع سماعة الهاتف آخر كلمات علياء وهي تودعني تشوشني أسئلتي ، أظل أترصدها ، ثم حين أعجنها في استفهام وحيد أسلمه سجل يومياتي وأنام محاولةً نسيانه .
بعد اليقظة أجد سجل الخبايا ينتظرني فارداً أحشاءه على صفحة البارحة ويواجهني مردداً أحرفي : " هل أحب أمي ؟ ما أصعب السؤال ، ما أبعد الإجابة !"
أهرب منه ، أخرج فيطالعني وجه أمي أتأمله ، لا أدري إن كان يجب أن أفرح أو أحزن لأنها تجهل كل ما في خاطري .
أحياناً كانت تردد أني أحسبها تكرهني ، مرات بعد تعليقات جارحة لي على سلوكها معي ومع سواي من إخواني كانت تحلف أني الأغلى..
مرة بكت..كرهت نفسي و تألمت جداً..وددت لو أحلف لها أني أحبها..أن أبكي مثلها..وددت لو أحضنها لتسكت .
قبل أن أتزوج كانت تردد لي أني لن أعرف ..لن أفهم تماماً إحساسها تجاهي إلا حين أتزوج وأنجب..
مع نادر منذ يومه الأول تلح في السؤال إن كنتُ أحبه وكم أحبه ؟ وهل يسعدني أن يتأذى ؟
نادر هل تعرف أمي ماذا يعني ؟ أنا لم أقل ، فهل لو قلت تفهمني ؟
نادر هذا الـ "من أحشائي طلع.." ليتني أفهم أنا هل أحبه أم لا ؟
الصغير الذي لم أحلم به كما كل الفتيات ، لأن الزواج جاء قبل أن تزهر فيَّ الرغبة في الإنجاب ، قبل حتى أن تتفتق تباشير الأمومة ميلاً للأطفال وشوقاً لملاعبتهم..لمداعبتهم..
هل كان يجب أن أقبل اختلافي هذا أيضاً؟ أن أظل أتأمله ..أتفحص أسبابه بحياد ؟
بعد أربعة أشهر من زواجي كان نادر نبتة في أحشائي ، يتشرنق حبه في بطني بطيئاً ، يتحرك ، يولد بعده بأشهر ، أرضعه مثله ، أحضنه ، أناغيه فيتأتئ .
يصير نادر صبياً يطوِّق عنقي في كل لحظة ، يقبِّلني ، يردد أنه يحبني ، وأتأمل أنا تأكيداته بشك .


--------------------------------------------------------

" أنا ... من أمي ، لأنها ... "
كتبت الدكتورة ذلك ، ومدتني بالورقة ، قالت : الآن اكتبي أنت .
- ماذا أكتب ؟
- ضعي كلمات مناسبة في الأماكن الخالية ، ثم اكتبي كل ما في خاطرك .
أمسك القلم ، ورغم أني لم أخجل من الدكتورة من قبل وأنا أعرض عليها جوانب كثيرة سيئة فيَّ إلا أني هذه المرة ترددت كثيراً .
قلت لها : دكتورة ..لا أستطيع ، أحس أني سأكتب شيئاً سيئاً جداً عني الآن .
تضحك هي بقوة : يا حبي لك يا وسمية .
بعد كلمتها أبدأ الكتابة : أنا أكره أمي لأنها ضعيفة ، مترددة ، لا تعرف ماذا تريد ، لا تملك الجرأة على أن تفكر حتى في أنها لا تريد ما تحياه الآن .
أمي امرأة شخصيتها مهزوزة ، زواجها تعيس جداً ، ورغم ذلك فهي مستمرة فيه .
أمي تفلسف ضعفها بطريقة غبية ، مذ عرفتها ( في دوريها الخالدين زوجة وأماً ) لم أسمعها تقول " لا " لأي أحد ، لم توقف أحداً أهانها عند حده .
حين أضع نقطة بعد آخر اتهام لأمي أمد الدكتورة بالورقة بخجل .
تتأملها مبتسمة ، ثم تعيدها إلي : الآن يا وسمية أريد أن تُسمِعِيني المكتوب بصوتٍ عال ، وكلما مررت بكلمة أمي في ثنايا كلامك اقلبيها ، اجعليها " أنا "
بارتياع أتفحص الورقة التي صارت عريضة اعتراف الآن ، ألتفت للدكتورة : ماذا جعلتني أفعل ؟
يعلو ضحكها هذه المرة ، وهي تقول : هيا أسمعينا ماذا سجلت .
" أنا أكره وسمية لأنها ضعيفة ، مترددة ، لا تعرف ماذا تريد ، لا تملك الجرأة على أن تفكر حتى في أنها لا تريد ما تحياه الآن .
وسمية امرأة شخصيتها مهزوزة ، زواجها تعيس جداً ، ورغم ذلك فهي مستمرة فيه .
وسمية تفلسف ضعفها بطريقة غبية ، مذ عرفتها في دوريها الخالدين زوجة وأماً لم أسمعها تقول " لا " لأي أحد ، لم توقف أحداً أهانها عند حده "
حين أنتهي تصبح الورقة مجعدة الحواف ، لولا هيبة الدكتورة لكنت مزقتها ، ألوذ بها : دكتورة ، ماذا يعني هذا ؟
أأنا أكره أمي لأنها تذكرني بي فترة زواجي ؟!
تهز الدكتورة هناء رأسها ، ويبين في عينيها شيء كالزهو بنجاحها ، زهوٌ تجعله محتشماً بحديثها عما فعلت ، قالت : أكثر ما يضايقنا في صفات الآخرين تلك الصفات التي تشبهنا جداً ، نكرهها فيهم ، ونكرههم لأنهم يعكسون صورنا التي لا نريد أن نراها ، هناك معالجة نفسية غربية علاجها كله بالكتابة ، كلما زارها مريض جعلته يكتب ، وعبر الكتابة يعي نفسه ، ويتغير .
- الكتابة التطهير ؟
- والكتابة المعرفة أيضاً .
أعيد لها الورقة ، وأسألها : ماذا بعد ؟
- بعد أن تم فك الارتباط بين صورة أمك في عقلك الباطن وبين صورتك أنت أظن أن علاقتك بها ستكون أفضل جداً ، لكن يجب أن تعيدي النظر في فترة زواجك ، خففي جلدك لذاتك ، هي تجربة عشتها وخرجت منها أفضل مما لو كنت بقيت فيها ، وأفضل مما لو كنت لم تدخليها ، إذن يجب أن تمتني لها لا أن تختزنيها بكل هذا الألم .

----------------------------------------------

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-02-2010, 02:19 PM   #7
مشرفة ورقآت أدبية
 
الصورة الرمزية كبرياء الحرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2,036
Smile

تابــع

" راحتي وبياض أيامي وسمية ..
كل مرة أقرر ألا أكتب لك بعدك حرفاً ، وكل مرة لا أقوى على الالتزام بقراري ..
فقط أردت أن أخبرك أني سأفتقدك كثيراً طوال هذه الإجازة ..لا أدري كيف أعبر القادم من أيامس دونك ..
دون " نظرة ترد الروح " تنتشلها من وجوه أدمنتها حد الاختناق ..
ليتك ترينني بعدك ، حيث كل هذا الزحام لا أحد ..
يا أقرب الناس في غيابك ..أحبك جداً "
علياء
قبل علياء ظننت أن الصداقة حبٌ عاقل ، لكني حين عرفتها اقتنعت أن الحب صداقة باردة .. أو أن ما أحسه قربها لا ينتمي لهذين النوعين من العلاقات .
كل يوم مرة مذ بدأت الإجازة أُخرج رسالتها زهرية الطالع ، أرطب روحي بحرفها ، وأفتقدها طوال اليوم ، وأشكر الله أني عرفتها ..
اليوم تلوتها مرتين ، ثم خبأتها لأكتب .ما لم أقله للدكتورة قررت أن أسجله ، خفت بعد الجلسة الأولى ، وهي تعيدني لمواقف قديمة وتعيد مونتاجها بشكل أكثر إنسانية خفت أن أنساها بعد فترة من الوقت ، وكأنها لم تحصل .
سجلت الأحداث في دفتر جديد قررت إهداءه علياء ، وأسميته " نسخ احتياطي للذاكرة "

( 1 )
موعد الزواج ( المحدد سلفاً على أن يكون في الإجازة بعد إنهائي تعليمي ) تم تقديمه ، سيكون بعد ثلاثة أيام فقط ، بالصدفة عرفت ذلك إذ لم يحرص أحد على إخباري .
ربما ما كانوا يعرفون أن التوقيت يختلف عندي ، ربما وثقوا أني لن أجرؤ على المعارضة فتصرفوا على هذا الأساس .
لأول مرة أستجمع جرأتي وأنا أتحدث مع أمي في الموضوع ، قلتُ لها : لا أريد الآن ، لم أستعد نفسياً بما يكفي ، ولن يتم شيء الآن ..
كان ما فيَّ من شجاعة قد انتهى فانصرفت ومضت أمي تلملم حاجياتي استعداداً لنقلها لبيتهم ، بعد الزواج عرفت أنها أيضاً ما كانت تريد هذا الموعد لكنها لم تجرؤ على الرفض حين طلبوا .
قلت لنفسي مواسية : ولو لن يحدث إلا في الموعد الذي أختار أنا ، لن أنضم لحزب الطالبات المتزوجات .
أغلقت الغرفة علي ، وبدأت التخطيط : أكسر رجلي ؟ تجبيرها سيكون مؤلماً ، وستظل في الجبس مدة أطول مما أريد . لن أحتمل الاعتماد على أحد في حركتي خمسة وأربعين يوماً .إذاً أكسر يدي لكن كيف ؟
مكوى الملابس قدم نفسه في عرض صارخ حين واجهني باركاً بجوار كومة ملابس تنتظره ليلهب وجوهها المتجعدة ، رفعته ، كان ثقيلاً جداً .. أغلقت باب الغرفة علي ، جلست تحت طاولة الكي فاردة ذراعي ، أغمضتُ عيني ، ثم سحبته بسلكه ، قدرتُ أن سقوطه بهذا الوزن من ارتفاع أكثر من متر كفيل بكسرها بسرعة . فـعلتها عدة مرات ولم تنكسر يدي ، كنتُ كل مرة أبسط يدي في المكان المناسب وأسحب سلك المكوى وأغمض عيني ثم .. لاشيء .. كل مرة قبل أن يهوي عليها كانت يدي تفر .
بعد إحدى عشرة محاولة فاشلة عرفت أن النتيجة الوحيدة التي حصلت عليها أن المكوى يحتاج لمشروع سقطة جديدة فقط حتى يلفظ أحشاءه كلها .
عدت لغرفتي أبحث عن وسيلة أنفع قلت : أضع يدي بين ضلفتي أحد الدواليب وأغلقه بقوة .
هذه المرة لم أخرج يدي . كان الألم لا يطاق ، أرعبتني فكرة أن ألمس يدي لأتأكد من كسرها ، ثم أدركت لما خف أن يدي لم تكسر فكان علي أن أتخذ القرار الصعب أن أعود للمحاولة مرة أخرى .
في المرة الثانية نزلت دمعة على خدي ، وبعد سبع محاولات عرفت أني لن أكرر الفعلة وأنها لن تفيد .
أتلفت في الغرفة ، أتأمل السرير ، أرفع طرفه . هو ثقيل وحافته عريضة . أضع يدي المحمرة تحته . أرفعه أكثر . أدير وجهي ثم أسقطه .
في طريق العودة من المستشفى أتذكر - وابتسامة سوداء على ثغري يحجبها غطاء وجهي عن أبي - تطمينات الطبيب ، تطمينات أبي قبلها ، اللحظات المجنونة التي تلت سقوط السرير على يدي ، خروجي العاصف لأمي ، يدي التي تنبض ألماً ، الطنين في أذني ..
صوت أبي يصلني غائماً ، أفهم أنه يسألني مجدداً : كيف حدث ذلك ؟!
حين سألتني أمي في البيت تراجع كل الألم لخلفية إحساسي واستنفرت بالكامل لأجيب .
كان واضحا أن أمي لم تصدق كذبتي عن القلم الذي انحشر تحت حافة السرير ومحاولتي إخراجه .
حالما أشرع في إعادة سبك القصة لوالدي أبث فيها ما أستطيع من إيحاء بالصدق . يقطع شروحاتي بحوقلاته المزمجرة ثم يعرض بوجهه .
ألتفت أنا الأخرى وأتذكر كلمات الطبيب الغبي المطمئنة : مجرد رضوض بسيطة فلا تقلقي . رضوض بسيطة لن يتأجل العرس إذن .

------------------------------------------------------

( 2 )
أرتقي درجات السلم التي لا أراها بسبب كومة السواد الملتفة حولي . أتذكر حكاية روتها إحدى الزميلات في المدرسة عن جدتها ، قالت أنها في زواجها السادس كانت تصعد السلم الطيني صوب روشنها محفوفة بنسوتها وأن الزوج المنتظر على باب الروشن كان يمسك بيده اليسرى سراجاً يضيء لهن الطريق، ويمد اليمنى للعروس ليدخلها. كان من عادة العروس البكر تتمنع ، أما صاحبة الخبرة هذه فيبدو أنها ما كانت لتريد حتى أن تتصنع ذاك ، غير أن ن الحرس الجمهوري شاء ألا تصم نفسها بقلة الحياء وتصمهن من ورائها . تمسَّكن بعباءتها فيما تتعلق هي بذراع العريس ، هي فطنت لما أردن فجارتهن قليلاً .
حين استمررن في لعبتهن السمجة أكثر مما قدرت نـزعت يديها من العباءة المشدودة لتنطرح في أسفل السلم لامَّـةً النسوة الحييات وتدخل هي غرفة السعد.
أتذكر ذلك وأنا أكاد أسير في موكب مشابه وأود لو أحكيها للعجوز التي تكاد تخلع رقبتي وهي تتشبث بعباءتي خلفي . تغريني فكرة أن أروعها بها . حين ندنو أكثر من الغرفة أنسى كل الحكايا وأرتجف ..
على أعتاب الغرفة أمي تبكي وهي توصيه بي خيراً وأتساءل : أمن مكروه سيحدث لي حتى تبكي كل هذا البكاء ؟
أتلصص عليهما ، أحس في حركته وهو يأخذ بخاطرها كأنما يدفعها للخروج .
أعود لي ومن مجلسي أستعرض بسرعة كل حكايات الاغتصاب أثناء الليلة الأولى التي سمعتها في مجالس النساء في الفترة الأخيرة ، في دورة مكثفة وقصيرة لي : أتذكر أولاً ذاك الذي سمعوا قرقعة مواعينه ليلة العرس ولم تهدأ حتى صادها ( المرأة ) . والآخر الصغير الحجم الذي حاول أن يلعب الدور نفسه مع عروسه الغوريلا فوضعته في أكبر القدور المرصوفة بها أرض الغرفة .
هو يدنو ، يحاول أن يكون لطيفاً ومقبولاً ، أعاين ارتباكه وحرصه على حركاته وكلماته بل حتى إيماءته فأتساءل : ليلة الزواج اختبار قبول لمن ؟
يشد الإجابات من فمي شداً . كدت أضحك وأنا أتذكر حكاية روتها إحدى القريبات التي تورط عريسها بفمها الأبكم تلك الليلة و أراد أن يخرجها من صمتها فسألها : أتدرسين ؟
هزت رأسها كما في كل الأسئلة التي فرشها على فستانها قبلاً..
سألها : في أي مرحلة ؟ فسكتت..
قال : أولى متوسط ؟
هزت رأسها نافية..
-ثاني متوسط ؟
-.. (هزة أخرى بالنفي)
-ثالث متوسط ؟
-.. (مثلها)
-أولى ثانوي ؟
-.. (هزة مع بعض الارتياح فها هو أخيراً يقترب من المرحلة المطلوبة)
-ثالث ثانوي ؟
التفتت إليه غاضبة ، تريد أن تصرخ : " لقد نسيت ثاني ثانوي يا غبي"
ألجمتها بقية الخجل أولاً ثم ضحكته التي ما لبثت أن تفجرت خبيثة جداً.
زميلة أخبرتني قصتها هي ؛ في ليلة الزواج لما اقترب منها زوجها صرخت محذرةً : ما تفكِّر فيه لن يحدث .
قال مبتسماً : وما الذي أفكر فيه ؟
عرفت أنها تورطت فهداها عقلها لأن تقول بعد تدبر: أنا لن أُنجبَ أولاداً .
ضحك هذه المرة وهو يردد مقترباً : ليس ذلك ضرورياً ..، ثم أضاف وهو يحتضنها : أبداً .
كنت أريد أن أحكي لهذا ذي الحكايات لولا الحياء ، لذا سكت محاولة تخمين الحكاية التي سأرويها بعد سنين عن ليلتي الأولى .

--------------------------------------------------

( 3 )
أحببته قبل أن أعرف عنه أيَّ شيء ؛ كان خجلي ( الذي يجب أن أعترف الآن أنه كان مرضيَّاً ) يمنعني قبل الزواج من أن أسأل عن أي شيء يخصه ؛ لم أسألهم حتى عن اسمه ، كنتُ إذا انزلقت تلميحاتهم إليه يجف حلقي ، يبرد الدم في عروقي ، حتى التنفس بصعوبة أستطيعه ثم أنسحب من مجلسهم ، فإذا دخلت غرفتي لم أخجل أن أقـعده بجواري .. نتحاور .. نتلاعب .. نتغازل ..أحياناً نتشاجر .
حين أثرثر مع خياله في الليالي كنت أصوغ جملي التي أخاطبه بها متحاشية مطب الاسم .
أحببته صورة هلامية لرجل ، حتى إذا ما رأيته تلك الليلة ألصقت مشاعري كلها بجسده هو .


------------------------------------------------------

( 4 )
- أنتِ مهبولة ..حقيبته ذي التي تجهزين سيأخذها في سفرته مع زوجي للخارج..
-طيب..
-أنتِ ما تفهمين ؟! ما ظنك أن الملاعين يفعلون هناك ؟
- …
-لابد أن تحاولي منعه من السفر..كلميه بقوة..هدديه بترك البيت..على الأقل لا تجهزي حقيبته ..
أتساءل : كيف يمكن أن تكون شقيقته وتحكي عنه بكل هذا السوء ؟!
خرجتْ وحرنت أنا حتى عاد ، سلّم فلم أرد إلا غمغمة ..سأل بتلهف عن الحقيبة ، بلا مبالاة باطنها مسكون بالخوف قلت : ما أكملت تجهيزها..
لما سكتَ أكملتُ أنا : ولن أفـعل لأني لا أريد أن تسافر..
-ستجهزينها غصباً عنك ..
- لا..
- عجيب.. هذي أول مرة يطول فيها لسانك..أول مرة ترفضين طلباً لي..
وعدته سراً في داخلي أن أرفض طلباتٍ كثيرةً فيما بعد ..
بينما كنت أنتظر خطوته المقبلة ، أحسبها كلمة ، ضغطت أصابعه على عنقي ، ثم توعدني إن رجع ولم يجدها جاهزة .
لما خرج..من دخان عجزي وذلتي تكاثفت صورتها ترفض أن تفهم أعذاري ، وتطالبني بما وعدت.
أنا بذكائي الفطري المتأخر أنبتُّ لها تلك اللحظة فـقط قروناً حمراء و ذيلاً طويلاً وصبغت عينيها بشيء كالخبث..
قلت لنفسي : أليس زوجها أيضاً مسافراً ؟ لماذا لم تفعل معه ما تستحثني عليه ؟! أتخاف آثار حزام بدلته العسكرية على خصرها كما يحصل دائماً ؟
آثار أصابعه على عنقي تضغط كبريائي ، وأنا أصفعني بسؤالي : كيف لم تعلمني الأيام ؟!
أليست هذه التي كانت بعد كل موقف منه - وإن كان عادياً - تستعمر أذني..تنهشها باستفهامات سوداء عنه و إيحاءات تحاول بها استنهاض غيرة المرأة فيّ ضده ؟!
هل كانت تجرب فيّ الوجه الذي تود لو تواجه به زوجها الذي تعبده وتلعنه ؟!أم أنها كما قال هو ذات مرة تكرهه ؟

----------------------------------------------------------

( 5 )
ألاحظ حبات العرق الكبيرة على جبينها وهي تحاول تعليمي في المطبخ فأعرف أنها تكاد تفقد تماسكها وإصرارها ، أسألها وأنا أكرر بصعوبة ما تفعله إن كنت أعمل بشكل جيد ، فتبلع أخته الثانية كلمتها ، وتضحك ضحكة قصيرة تعثرت على شفتيها بين الحنق والخجل من إجابة قد تجرحني جداً ..
أمام هذه الشقيقة لا تلك أنهزم تماماً ..رغم إحساسي بالعجز التام في مجاراة الأولى في وضع المكياج و التزين إلا أن عجزي في المطبخ أمام هذه التي تفعل كل شيء بمنتهى اليسر كان يحرجني أكثر ..
محاولةً مواساة نفسي أطمئنها بكلمات الأولى : " أختي لا تفهم ؛ الطريق إلى قلب الرجل لا يمر بالمطبخ بالتأكيد إلا لماماً..الطريق إلى قلبه هناك في غرفة النوم ..انظري لها إنها تطبخ فقط بينما زوجها يسكر كل ليلة "
بعد أن تغادراني أقول لنفسي: حسناً ..فأنا الأسوأ هنا لا أحسن صنعاً في الغرفة و لا في المطبخ..

----------------------------------------------------------

( 6 )

لا تتغير أبداً ..بعد كل مشكلة..أثنائها..قبلها..تتشمم رائحتها ..أحسها تسعد بها، تظل طوال الوقت منبطحة في الصالة .. ملتصقة بجدار غرفتي ..تمرن قدميها أحياناً بالتلكؤ لدقائق بجوار باب غرفتي ..تقيس برودة الجو في الداخل وقتامته بمدى ارتفاع صوت التلفزيون أو المسجل اللذين أزيد صخبهما يوماً بعد آخر حتى لا تسمع هي شجاراتنا .
العجوز التي لا أعرف لماذا تكرهني تتابع بشغف لا أفهمه مشاكلنا..ورغم نوبات العطف المفاجئة النادرة ظل إحساسي نحوها أزرق بارداً يَسْوَدُّ كلما جاءت تخبرنا شائعة سمعتها عن قرب طلاقنا..
اليوم أهاتف أمي و أنا في ذروة مشكلة جديدة مخنوقة بأحابيلها ، وكالعادة لا تسمع أمي في صوتي الفاقد للرغبة في أي شيء تذمراً منهم..
أكلمها في الصالة..تخرج العجوز متلكئة ثم..في صفحة الباب البنية الفاتحة أرى ظلالاً هلامية ضخمة تلتوي بالجدار و تلتصق به مادة عنقاً عريضة صوبي..
أريد بعض الجرأة لتحملني قدماي إلى حيث تقف ، فقط لأقول لها بعيني أني رأيتها..
لو فقط أطلب منها أن تُريح نفسها من محاولة تسمع شكواي وهي تصب في أذن أمي لأنها لن تصب فيها أبداً ، تنسد شهيتي للكلام ( ولم تكن مفتوحة جداً مذ تزوجت ) ثم أدخل غرفتي أبكي .

-----------------------------------------------------

( 7 )
- وماذا بعد ؟
تضحك مها مستنكرة السؤال كله : ماذا تعنين بـ "ماذا بعد" ؟ تنجبين وتربين أولادك وتقومين على رعايتهم حتى يتحملوا مسؤولية أنفسهم ..
-هكذا فقط ؟! أهذا كل ما سأفـعله في حياتي ؟!أما من شيء آخر ؟!
-بلى..أنتِ طبعاً لو توظفت ( معلمةً ) واستمررتِ في عملك فقد تصبحين مديرة أو موجهة أو ما شابه..
-ثم ماذا ؟!! ليست هذه بحياة التي تشبه حيوات كل الآخرين..هذا موت بطيء لن أحتمله..
أتركها وأتصل بريم ،أطلب منها أن ترسل لي دفتراً جميلاً ..
- ماذا ستكتبين فيه ؟
- سأعرف حين يأتيني أحدٌ به ..
على وجه الدفتر صورة لغابة طبيعية لم تر من البشر إلا عين المصور ، وخلفيته الغابة ذاتها كابية اللون وقد امتصت كاميرا مسعورة روح اللون منها .
في صفحته الأولى كتبت : حتى كائنات الطبيعة يمكن مسخها ، لتكون الشيء وصورته السالبة...هكذا نحن أيضاً .

---------------------------------------------------------

( 8 )
في السيارة قال لي : التقيت بعرافة في مصر ، قرأت لي الطالع ، ربطت عقدة في منديل ثم حلتها ، قالت أنها عقدتنا ، وأنها ستحل ، وسنكون أسعد ، وستختفي كل مشاكلنا ، قالت أن من صنعت السحر ابنة عمٍ لي تريد الزواج بي .
كان يخبرني ويضحك .كنت أعرف أن هذا لا شيء ، ومع ذلك تعلقتُ بالأمل مثله ، ضحك وقال أنها أخبرته للتدليل على صدق كلامها أني حامل وأني سألد ذكراً وأننا سنسميه خالداً .
تبادلنا نظرة ثم ضحكنا . بعدها أدار هو وجهه للناحية الأخرى ليتأكد من خلو الشارع قبل أن ينعطف يساراً ، والتفت أنا أتأمل المحلات المتشابهة السحنة المصطفة على طول شارع قديم ، نعرف أن لا خالد ، وأن من في بطني إن كان ولداً فسيكون اسمه نادر على اسم جده . ذلك أمر مفروغ منه..
والمفروغ منه أكثر أن هذه العلاقة الهشة لن يلزمها أكثر من شهرين أو ثلاثة بعد الولادة لتتهاوى فلا وقت لهذا الخالد الذي أحسست في شبه اتفاقنا البارد أن لن يجيء أننا ( كلينا ) نطبق على عنقه الصغيرة الحمراء الحارة فنهصرها..
أراد هو أن يشرع نوافذ كلامية تخرج من قمرة السيارة غبار الأفكار السابقة وتدخل نسمةً باردةً لفكرة أخف وطأة فسألني مداعباً بطني المنتفخة عن ولي العهد ..
ولي العهد كما يبدو التقط النداء ، في آخر دورة لنا بالسيارة صرت استشعر آلاماً بأسفل ظهري كآلام الدورة لكنها أشد قليلاً..تأملت الكرة الثابتة منذ أشهر بظاهر بطني وارتعت..
سكتُ أول مرة وكظمت ألم الثانية .بعد الثالثة أخبرته أن ألما بسيطاً في ظهري.
كان عليّ بعدها أن أتحمل رعباً أنساني الألم .صار يطير بالسيارة ، كان على ما يبدو يخاف أن ألد فيها .
كدنا نصطدم بأحدهم ذات منعطف.بصوت صار أضعف مع تزايد نبضات الألم أرجوه أن يبطئ .. أن ينتبه..
يطرق باب منـزل أهلي بقوة ، ثم يرقيني عتباته مرتجفاً فيما أحس كل ألمي يتسرب سائلاً رطباً على فخذيّ ..
يوصي أمي بأن تبلغه حالما ألد فيما أتجه للحمام لأبدل ملابسي ، وأسأل نفسي وحدها : هل يمكن أن تتم الولادة بهذه السرعة ؟
أخلع ملابسي فيما صعقة كضربة سوط شديدة جعلتني أجثو على الأرض ، كان الألم هذه المرة مرعباً وهو يكوي بطني وظهري في آن واحد بلسعاته و يتهددني في الوقت نفسه بالمزيد..
أخرج من الحمام وتتلقاني أمي بالتمر .. لا أدري من أقنعها أنه يسهل الولادة ويدفع الجنين خارجاً..
أريد أن أرفض ، لأن فكرة الأكل الآن تبعث على الغثيان .
كنت أضعف من أن أرفض ، وأوهن من أن أستجيب وآكل ، فتحت فمي وتركته لها تحشوه بما شاءت .
الألم في بطني لا يمكن التعبير عنه حتى بالصياح ، ريم نيابة عني تبكي ، فإذا عضضت شفتي صاحت ، تارة أقف ، وتارة أجلس ، مرات انبطح أرضاً ، أبحث عن الوضع الذي يقلل الألم وومضة أخرى من نار تلف وسطي .
في السيارة أستعجل الوصول للمستشفى ، أظنه القادر على إخراج هذا الجنون مني أو إخراجي منه ..
حين كانت الممرضة ترفـعه باسمة : ولد ..نسيت أشياء كثيرة ، وسطع وجهه هو ، أريد أن أهاتفه الآن لأبشره ..لم نتحدث كثيراً حول المولود المنتظر ( لم أعرف إن كان يفضله ولداً أم أن الأمر عنده سيان )
ما إن دخلت أمي عليّ حتى طلبتُ إليها أن تهاتفه..هي تسألني عني و أنا أكرر طلبي بأن تبلغه ..تكرر وعدها والممرضة تشدها خارجاً..أخذت الصغير معها فأحسستُ بالراحة وبالألم ؛ لابتعاد صوت صياحه ، و لأني لم أستشعر حبه ..
اللحظات التالية أحاول أن أصل لمعرفة تحديد تقريبي للزمن..أحسني خاويـة تماماً وبلا مشاعر باستثناء نبضات صغيرة أسفل بطني..
أمي تُقبل بالصغير ، تطلب مني أن أقبله..أرفض ثم حين تلح أفـعل مجاملة لها..
تبتسم مستنكرة ، وأتعجب من استغرابها ، أريد أن أخبرها أني ما كنت مخيرة في أن أهبهم إياه أو أن لا أفـعل ..
أما وقد جاء فهو لهم ، وليس علي أن أحبه !!
أنظر إليه : أأنا ولدت هذه اللحمة الحمراء ؟!
ما أنا متأكدة منه أني عدت للحياة بعد اختبار سريري لقدرتي على مقاربة الموت .
أعيد سؤال أمي إن كانت أخبرته ، وتكرر : عليك أن تنامي الآن ، فأنت مرهقة بلا شك .
أود أن أسألها عن الطريقة ؛ لأن الساعات الفائتة تلك أنستني كل البدهيات لكنها غادرت قبل أن تصطف عبارة سؤالي بشكل مفهوم في رأسي .
في الغرفة أبقى وحيدة إلا من شيء كالجوع ، أتأملها ، كل ما فيها لا إنساني ..آلاتها..سريرها..ساعتها الحائطية.. حتى الطريقة التي خلعوا بها ملابسي كانت لا إنسانية ، ثم هذه الطريقة في الاستلقاء تمنعني من النوم . تروعني بهاجس أن لحمة أخرى مسعورة ستحاول ثانية الخروج مني .
أود لو أنام على جنبي ، لكني لا أملك الجرأة الكافية لأجرب أن أتحرك .
الوقت يمضي جارّاً معه ذكريات العمر الذي انقضى منذ دخولي الغرفة حتى خروج المولود : أصوات الممرضات المتشنجة ..نكات الطبيب السمج..لعناتي للجميع..صرخات الصغير .
ينخفض الصوت ، الوجوه تشحب ..الساعة غير المضبوطة إطارها الدائري ينبعج..تسيل بعض الأرقام من جانبه فيما قليلاً ..قليلاً تخدر أجفاني حتى أسقط في رحم النوم .
يأتي الصباح أبيضاً في كوب حليب بلا شاي ، عافته نفسي كما عافت عيني صباحهم الذي أرادت الممرضة أن تغريني بمشاهدته وهي تزيح ستائر في الغرفة لم أكتشف إلا هذه اللحظة وجودها..
في المنـزل حين عدنا كان الجميع فرحين بالصغير..حتى لم ينتبه أحد لوجودي لولا الفراش الذي أعِد على عجل لظننت أنهم نسوني تماماً ..بعد قبلات عديدة نالها وحده وابتسامات ومناغاة بدأ البعض يلتفت إليّ سائلاً أسئلة روتينية عن حالي ..حامداً الله على سلامتي..كأني كنت في سفرة قصيرة عدت منها قبل أن يشتاقوا إلي..

__________________

كبرياء الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



Powered by vBulletin® Version 3.8.9
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
الحقوق محفوظة لمنتدى قرية المصنعة 1426هـ
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78