يوم عرفة وما بعده : ـ

يوم عرفة وما بعده : ـ
فرض الله على عباده فرائض عديدة، واختصهم بمزايا سامية، ومواسم وأيام شريفة مباركة، ، ومن هذه المواسم والأيام المباركة يوم عرفة، فهو يوم أهل الموقف؛ حيث يقف الحجاج فيه على صعيد عرفات، وقد عظَّمه الله، ورفع قدره، وجعل الوقوف في ذلك اليوم ركنًا من أركان الحج؛ بل الحج كله، إنه يوم التجلي، يوم الرحمة،
وهو يوم فخر وعزة للإسلام والمسلمين إذ لا يمكن للمسلمين في أي مكان أن يحتشدوا بهذا العدد في وقت واحد إلا في هذا المكان وقد أكمل الله فيه الملة، وأتم به النعمة، قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- : إن رجلا من اليهود قال : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال : أي آية؟ قال: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم ألإسلام دينا ) سورة المائدة:5 ) قال عمر – رضي الله عنه- : قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.أقسم الله به: ، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: (وشاهد ومشهود) البروج: 3 ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليوم الموعود : يوم القيامة، واليوم المشهود : يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة..) "رواه الترمذي وحسنه الألباني".
وهو الوتر الذي أقسم الله به في قوله: (والشفع والوتر) الفجر: 3 ) قال ابن عباس: الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة، وهو قول عكرمة والضحاك
: قال ابن القيم رحمه الله : "أنه في يوم عرفة يدنو الرّبُّ تبارك وتعالى عشيةَ مِن أهل الموقف، ثم يُباهي بهم الملائكة فيقول‏:‏ ‏( ما أراد هؤلاء , أشهدكم أني قد غفرت لهم ‏ ‏)‏ وتحصلُ مع دنوه منهم تبارك وتعالى ساعةُ الإِجابة التي لاَ يَرُدُّ فيها سائل يسأل خيراً فيقربُون منه بدعائه والتضرع إليه في تلك الساعة، ويقرُب منهم تعالى نوعين من القُرب، أحدهما‏:‏ قربُ الإِجابة المحققة في تلك الساعة، والثاني‏:‏ قربه الخاص من أهل عرفة، ومباهاتُه بهم ملائكته، فتستشعِرُ قلوبُ أهل الإِيمان بهذه الأمور، فتزداد قوة إلى قوتها، وفرحاً وسروراً وابتهاجاً ورجاء لفضل ربها وكرمه، فبهذه الوجوه وغيرها فُضِّلَتْ وقفةُ يومِ الجمعة على غيرها .
أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف:
ففي صحيح مسلم عن عائشة _رضي الله عنها_ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدأ من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ فيغفر الله فيه لكل من وقف ومن لم يقف فيه ممن قبل توبتهم واستغفارهم .
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبرا" وقال ـ صلى الله عليه وسل ـ: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب) "رواه أهل السّنن". وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: " نزلت –أي آية (اليوم أكملت)- في يوم الجمعة ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد..
وذكر الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب بإسناد قال عنه الإمام الألباني صحيح لغيره إن النبي- صلى الله عليه وسلم: "وقف ب¯"عرفات" وقد كادت الشمس إن تؤوب- أي تغرب- فقال يا بلال: أنصت لي الناس, فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم فأنصت الناس فقال: "معاشر الناس أتاني جبرائيل أنفا- أي جبريل- فأقرأني من ربي السلام وقال إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمت عنهم التبعات" فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة? قال:"هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة" فقال عمر بن الخطاب: كثر خير الله وطاب".وقال عبدالله بن عمر- رضي الله عنه- إذا كان عشية عرفة لم يبق احد في قلبه مثقال حب ذره من إيمان الا غفر له, فقيل له- للمعرف خاصة- أي من وقف عن جبل عرفات خاصة أم للناس عامة قال بل الناس عامة..
وفي هذا اليوم يغفر الله لمن صام من غير الحجيج السنة التي قبلها والسنة التي بعدها.
فعلى كل مسلم استغلال هذه الفرصة العظيمة باستقبالها بالعزم الصادق الجاد على اغتنامها بما يرضي الله - عز وجل -وبتوبة صادقة ـ فمن صدق الله صدقه الله ـ والإكثار من التكبير والتهليل والدعاء ، وما قاله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عرفة " لا إله إلا الله وحده . لا شريك له . له الملك وله الحمد . بيده الخير وهو علي كل شئ قدير . اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي صدري نورا ، وفي سمعي نورا ، وفي بصري نورا . اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري . أعوذ بك من وسواس الصدر وشتات الأمر وفتنة القبر .. أنا البائس الفقير المستغيث المستجير ، الوجل المشفق ، المقر بذنوبه ، أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير ، من خضعت لك رقبته ، وفاضت لك عيناه وذل جسده ورغم أنفه . اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا ، وكن بي رءوفا رحيما ، يا خير المسئولين ويا خير المعطين "
وروى ابن أبي الدنيا عن علي رضي الله عنه قال :(ليس في الأرض يوم إلا لله فيه عتقاء من النار، وليس يوم أكثر فيه عتقًا للرقاب من يوم عرفة، فأكثر فيه أن تقول: اللهم أعتق رقبتي من النار، وأوسع لي من الرزق الحلال، واصرف عني فسقه الجن والأنس)
عليك ايها الحاج أن تستشعر أنك واقفٌ بعرفة، فتدعي وتدعي حتى يغلب عليك الخوف تارة والرجــاء تارة أخرى .. ولا يفتر لسانك عن الذكر طوال اليوم، وبالأخص التسبيح والتحميد والتهليل .... عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله علية وسلم قال "خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" فعليك أن تُكثِر من هذا الذكر طوال يوم عرفة .. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله علية وسلم"من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه"
فالدعاء عظيم المكانة، رفيع الشأن، يرفع الحاج إلى مولاه حوائجه، ويسأله من كرمه المتوالي، والإلحاح على الرب الكريم في الطلب وعدم اليأس من تأخر العطاء يقينٌ في إجابة الدعاء، وأفضل الدعاء دعاء ذلك اليوم، قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "دعاءُ يوم عرفة مُجابٌ كله في الأغلب".
ومع هذا فإنَّ السلف الصالح لم يكونوا في هذا اليوم إلاَّ خائفين وجلين فكانوا مع حسن ظنِّهم بربِّهم مؤنِّبين موبِّخين لأنفسهم. وقف مطرف بن عبدالله وبكر المزني بعرفة، فقال أحدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي. وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لإله لولا أني فيهم!.
ومنهم من غلبه الرجــاء ..قال عبد الله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تذرفان فالتفت إلي، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له..
وكان حكيم بن حزام رضي الله عنه يقف بعرفة ومعه مئة بدنة مقلدة، ومئة رقبة - أي من العبيد الأرقاء - فيعتق رقيقه، فيضج الناس بالبكاء والدعاء، ويقولون: ربنا هذا عبدك قد أعتق عبيده، ونحن عبيدك فأعتقنا من النار،
وروي عن الفُضَيل أنه نظر إلى نشيج الناس وبكائهم عشيَّة عرفة، فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجلٍ فسألوه دانِقًا -يعني: سدس درهم- أكان يردُّهم ؟ قالوا: لا.قَالَ: والله! لَلْمغفرة عند الله أهون من إجابة رجلٍ لهم بدانِق.
وكان أبو عبيدة الخواص قد غلب عليه الشوق والقلق ويقول :(واشوقاه إلى من يراني ولا أراه، وكان بعد ما كَبُرَ يأخذ بلحيته ويقول :(يا رب! قد كَبرت فأعتقني)، ودعا بعض العارفين بعرفة فقال :(اللهم إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على تركك القبول مني) فهذا حال سلفنا الصالح فهلا فعلنا مثل فعلهم؟.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "السعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه، بما فيها من وظائف والطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادةً، بأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات". قال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله: "ما من يوم أخرجه الله إلى أهل الدنيا إلا ينادي: ابن آدم، اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي، ولا ليلة إلا تنادي: ابن آدم، اغتنمي لعله لا ليلة لك بعدي".
وإني لأدعو الله أطلب عفـوه وأعلم أن اللـه يعفـو ويغفـر
لئن أعظم الناس الذنوب فإنها وإن عظُمت في رحمة الله تصغر
* فضل يوم النحر: يغفل عن هذا اليوم العظيم كثير من المسلمين مع أن بعض العلماء يرى أنه أفضل أيام السنة على الإطلاق حتى من يوم عرفة. قال ابن القيم - رحمه الله -: " خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر " كما في سنن أبي داود عنه - صلى الله عليه وسلم -: ( إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر ) " يوم القر هو يوم الاستقرار في منى، وهو يوم الحادي عشر " ، وفي مجموع الفتاوى: سئل شيخ الإسلام، أيما أفضل يوم عرفة أو الجمعة أو الفطر أو النحر، فأجاب: الحمد لله أفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة باتفاق العلماء وأفضل أيام العام هو يوم النحر، وقد قال بعضهم يوم عرفة والأول هو الصحيح، لأن في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم الفر. لأنه يوم الحج الأكبر في مذهب مالك والشافعي وأحمد، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يوم النحر هو يوم الحج الأكبر.، وفيه من الأعمال ما لا يعمل في غيره كالوقوف بالمزدلفة ورمي جمرة العقبة وحدها والنحر والحلق وطواف الإفاضة.....
* فضل أيام التشريق الثلاثة :
أيام التشريق الثلاثة هي نفسها أيام منى وهي الأيام المعدودات التي قال الله عز وجل: ( واذكر الله في أيام معدودات ) البقرة:203 . وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر :11 و 12 و 13 من ذي الحجة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أيَّام منىً ثلاثةٌ، ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه ".وأفضلها هو أول يوم منها وهو يوم القروقد ورد عن فضلها حديث نبيشه الهذلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل" ففيها يجتمع للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل والشرب، ونعيم قلوبهم بالذكر والشكر , وبذلك تتم النعم,.
اللهم أحفظ حجاج بيتك الحرام من كل سوء، وآمنهم من كل خوف و اجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وعملهم مُتقبَّلاً يا رب العالمين. واعدهم إلى أوطانهم سالمين غانمين وأغفر اللهم لنا ولهم ولجميع من له حق علينا ما مضى من الذنوب والآثام واعصمنا فيما بقي من أعمارنا وأشركنا في صالح دعاء المؤمنين ، وأشركهم في صالح دعائنا ، الى يوم الدين برحمتك يا أرحم الراحمين.وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ..
جمعه وكتبه الراجي رحمة ربه ومغفرته
عبد الهادي بن عبد الوهاب المنصوري
جدة 6/12/1431

عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]

جزاك الله خيراً يا أبا عبد العزيز وجعل كلما تسطره هنا في ميزان حسناتك
نفع الله بك وبعلمك وكل عام وأنت بخير

مشكور على هذا الموضوع الجميل . مع التحيه

جزيت خيراً وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يرضيه...

تقبل الله طاعتكم
وعيدكم مبارك..

	جزاك الله الف خير ونفع الله بك وبعلمك وكل عام وأنت بخير ..